Uncategorized

التراث المسلوب.. دعوة لعودة الكنوز المصرية من قاعات الغرب إلى أرضها


بقلم .. د . هاني المصري

لا يختلف اثنان على أن الحضارة المصرية واحدة من أعظم حضارات الإنسان، إلا أن أجزاءً واسعة من تراثها ما تزال مبعثرة خارج حدودها، حبيسة متاحف تُفاخر بما لا تملك. وبينما يرفع العالم شعارات احترام القيم والأخلاق، تبقى آثار مصر في الغربة، تنتظر اعترافًا بحقها الطبيعي في العودة. فهل آن الأوان ليُترجم الخطاب الغربي إلى فعل حقيقي يعيد لهذه الحضارة مجدها المسلوب؟

تراث بلا وطن

تُعد مصر من أكثر دول العالم تعرضًا لنهب آثارها عبر القرون، فقد كانت الكنوز الفرعونية هدفًا رئيسيًا للمغامرين، والبعثات الاستعمارية، وتجار العاديات الذين سعوا لتحويل التاريخ إلى سلعة. وكانت نتيجة ذلك تسرب أعداد هائلة من المومياوات، والتماثيل، والنقوش، والبرديات إلى الخارج، بعضها معروض اليوم في متاحف مرموقة مثل: المتحف البريطاني، متحف اللوفر، متحف برلين، والمتحف المتروبوليتان.

ورغم القيمة العلمية التي تضيفها هذه المتاحف للقطع المعروضة، إلا أن الحقيقة الثابتة تبقى أن هذه القطع اقتُلعت من سياقها الحضاري، وسُلخت عن أرضها التي تمنحها المعنى والروح.

ازدواجية الخطاب الغربي

تتباهى الدول الغربية بشعارات احترام القيم الإنسانية وحماية التراث العالمي، إلا أن هذا الخطاب يتناقض مع تمسك مؤسساتها الثقافية بآثار تعرف جيدًا أنها خرجت بطرق مشبوهة أو غير عادلة تاريخيًا. واليوم، ومع اتساع حركة إعادة الممتلكات الثقافية حول العالم، لم يعد مبرر “الحفاظ عليها في بيئة أفضل” مقنعًا، خاصة بعدما أثبتت مصر قدرتها على حماية تراثها عبر متاحف حديثة مثل المتحف المصري الكبير، أكبر منصة آثار في العالم.

حقٌ لا يسقط بالتقادم

القانون الدولي للتراث الثقافي، واتفاقيات اليونسكو، والمبادرات العالمية لاسترداد الممتلكات المنهوبة، تمنح مصر حقًا واضحًا في المطالبة باسترداد آثارها، خصوصًا تلك التي خرجت دون سند قانوني أو بموجب اتفاقات استعمارية جائرة. وقد نجحت مصر بالفعل خلال السنوات الماضية في استرداد مئات القطع، ما يعكس إرادة سياسية قوية وقدرة تفاوضية مؤثرة.

لكن ما زال الطريق طويلًا، وما زالت آلاف القطع تنتظر عودتها إلى وطنها حيث تنتمي.

لماذا يجب أن تعود الآثار؟

لأنها جزء من الهوية المصرية: لا يمكن لقطعة أثرية أن تُفهم كاملًا بعيدًا عن أرضها وبيئتها التاريخية.

لأنها إرث إنساني: عودة الآثار لأوطانها تعزز العدالة الثقافية وتحترم تاريخ الشعوب.

لأن الزمن تغيّر: العالم لم يعد يقبل شرعنة ما نهب زمن الاستعمار.

لأن مصر قادرة على حفظ كنوزها: بنية متحفية حديثة ومعايير عالمية للحفظ والعرض.

نداء إلى من يتغنون بالقيم الأخلاقية

إذا كانت الدول الغربية جادة في احترام قيم العدالة وحقوق الإنسان، فعليها أن تثبت ذلك عمليًا، وتعيد إلى مصر ما خرج منها ظلمًا أو خداعًا أو نهبًا.
فالآثار ليست مجرد حجارة، بل هي روح حضارة كاملة، وذاكرة شعب، ورمزٌ لبدايات الإنسانية.

وختامًا يا سادة

لقد آن الأوان للتحرك العالمي الجاد نحو ردّ المظالم التاريخية، وفي مقدمتها إعادة آثار مصر إلى أرضها. فهذه الكنوز ليست مجرد مقتنيات للعرض، بل تراثٌ حيّ يتنفس على أرضه الأم. ومع مؤسسات مصر الحديثة التي تضاهي أرقى المتاحف، لا يبقى أمام العالم سوى خيار واحد: الاعتراف بحق مصر الكامل في استرداد إرثها الذي لا يُقدّر بثمن.

osama elhaowary

About Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *