
بقلم / محمد جابر
كاتب صحفي
من بين المسير في الممرات وفي أحدي اللقاءات السياسية بقيادات شغلت مناصب متعددة تطل علينا من الحين الي الاخر بعض المصطلحات وما اخدناه علي عاتقنا هو محاولة رفع الوعي بأسلوب اكاديمي وهنا في هذا الممر من السرديات السياسية التي شغلت الرأي العام تبرز قضية الكربون الأسود كإحدى أكثر القضايا إثارة للجدل والشكوك في العقود الأخيرة. فما بين روايات عن مشروعات سرية لتصنيع الصواريخ واتهامات متبادلة بالتخابر والإبلاغ وتكتم رسمي ملحوظ تبقى الحقيقة غائبة خلف ضباب كثيف من التأويلات.
ومحاولة لتفكيك هذه القضية كان لنا الحظ في مقابلة أحدي الشخصيات أجرينا حوارا خاصا مع مسؤول سياسي سابق رفض الإفصاح عن اسمه لكنه شاركنا بمعلومات وتحليلات تضعنا أمام قراءة أكثر توازنا وواقعية.
ما هي القضية تروى القصة بأن مصر بالتعاون مع العراق والأرجنتين كانت بصدد تطوير منظومة تسليح متقدمة في الثمانينيات تحت ما يعرف بـمشروع بدر 2000 الذي يزعم أنه تضمن تهريب مادة تعرف باسم الكربون الأسود. لاستخدامها في إخفاء الصواريخ عن الرادار. وتم الزج بأسم مثل المشير عبد الحليم أبو غزالة.
لكن رغم تكرار هذه الروايات في بعض المنصات الإعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي لم تصدر عن جهات التحقيق المصرية أو الأمريكية أية وثائق رسمية تؤكد هذه التفاصيل كما لم تنشر أحكام قضائية تدعم تلك المزاعم
أحد أبرز الإشكالات في هذه القضية هو افتقارها إلى الشفافية القانونية. فحتى اليوم لا توجد مستندات قضائية منشورة أو تقارير استخباراتية مفصلة تبين طبيعة المواد المهربة أو أطرافها أو طرق نقلها.
وفي حين تعتمد بعض الروايات على شهادات فردية ومصادر مجهولة تشير تحليلات أخرى إلى أن القضية ربما استخدمت كأداة لتصفية حسابات سياسية حيث من حين لآخر تطفوا هذه القضية الي السطح ويستخدمها سياسين في الملتقيات الثقافية والسياسية مما لف انتباه الكثريين وخاصة الباحثين عن الحقيقة
وهنا ومن خلال التجوال بالممر وبالبحث بين ثنايا العلم فإن الكربون الأسود هو مادة معروفة تنتج عن الاحتراق غير الكامل للوقود الأحفوري وتعد من أخطر ملوثات الهواء. وقد أجريت عليه دراسات علمية موثوقة تبين تأثيره على الجهاز التنفسي والقلب.
لكن هذه المادة لا ترتبط من قريب أو بعيد بالاستخدامات العسكرية المزعومة كما جاء في الروايات السياسية. ولا توجد أية أدلة علمية تؤكد إمكانية استخدامها لإخفاء الأجسام عن الرادار.
وما يتشدق به هؤلاء أشبه بأحوال كثيرة الآن
أما في الاونه الاخيره وفي سياق مواز تصاعدت مؤخرا نقاشات حول شهادات الكربون كآلية بيئية لتمويل مشروعات الطاقة النظيفة. وقد أعلنت مصر رسميا مشاركتها في هذه الآلية دون أن يكون لها أي علاقة بالقضية المثارة. هذا الالتباس بين مصطلحين متقاربين لغويا أدى إلى مزيد من الخلط لدى قاطني بعض الممرات وساهم في تضخيم الغموض حول القضية.
وعند الاقتراب من نهاية الممر وددت أن أسمع ما يشفي العقل قبل الصدور موجها له سؤالا كيفية الاستفادة من ذلك وما الغرض من طفوها المتعاقب
علينا أن نميز بين المعلومة والمزاعم وبين القضايا الأمنية الحقيقية والروايات الموجهة. قضية الكربون الأسود كما تطرح شعبيا أقرب إلى الأسطورة السياسية منها إلى الملف الأمني المتكامل. وإذا كانت هناك حقيقة خلفها فغياب التوثيق الرسمي عنها يجعلها بلا قيمة قانونية أو سياسية
وكانت الإجابة عليه بأننا في هذا الممر اصبح تختلط علينا المعلومات بالتحليلات وتستخدم القضايا الأمنية كأوراق ضغط سياسي تبقى الحقيقة بحاجة إلى أدوات تحقيق جادة ووثائق صلبة لا إلى تكرار الروايات عبر وسائل التواصل او ملتقيات الخداع السياسي
وعلية تظل قضية الكربون الأسود مثالا حيا على كيف يمكن لقصة أن تعيش طويلا في الذاكرة الجمعية رغم افتقارها إلى الدليل وأن تتحول إلى رمز سياسي أكثر منها حقيقة واقعة. ومن الرمز الي الحقيقة نذهب الي الممر الستين