
د/آمال بوحرب
باحثة وناقدة
الحلم بوابة للوجود والمعنى
من هذا المنظور يمكن قراءة قصيدة “على هامش الحلم” كفضاء يمتزج فيه الحلم بالشعر والوجود حيث يتحول الحلم من حالة عابرة إلى تجربة وجودية تعيد تشكيل الذات والعالم عبر اللغة التي تتحول إلى كائن حي يولد المعاني ويبعثها فلسفيًا يمكن مقاربة هذا من خلال سبينوزا في “الأخلاقيات” الذي يرى أن الخيال جزء من الفهم الإنساني يربط العقل بالجسد ضمن جوهر إلهي واحد بحيث يصبح الحلم امتدادًا للطبيعة الكلية التي تشمل كل شيء وتستخدم اللغة كوسيط للكشف عن المعنى الكوني

أما نيتشه في “هكذا تكلم زرادشت” فيرى الحلم تعبيرًا عن إرادة القوة التي تدفع الإنسان لتجاوز حدوده نحو خلق قيم جديدة حيث تكون اللغة أداة للتحول الوجودي بينما يشكك هيوم في “تحقيقات حول الفهم الإنساني” في واقعية الحلم معتبرًا إياه تدفقًا للانطباعات الحسية دون أساس ميتافيزيقي مما يقلل من دور اللغة في منح الحلم عمقًا وجوديًا
أدبيًا يتجلى هذا البعد في أعمال كافكا في “التحول” حيث يصبح الحلم كابوسًا وجوديًا يعكس اغتراب الإنسان من خلال لغة مشوهة أو عند جيمس جويس في “عوليس” حيث يندمج الحلم مع تدفق الوعي لاستكشاف أعماق النفس عبر لغة تجريبية وفي الأدب العربي يعبر أدونيس في “تحولات العاشق” عن الحلم كثورة شعرية ضد الثبات مما يجعل القصيدة فضاء لإعادة خلق الوجود بمعانٍ جديدة تولدها اللغة
⸻
جدلية الموت والبعث الشعر ككائن حي
يقول الشاعر
“حين تنام القصيدة أموت على صدرها لأبعث مثل القوافي”
هنا تتجلى رؤية جدلية عميقة حيث يصبح الموت والبعث شرطًا للإبداع الشعري فالقصيدة ليست مجرد نص بل كائن حي يتنفس وينام والشاعر جزء منه يحيا ويبعث عبر تجربة الموت الرمزي كما طائر الفينيق الذي يبعث من رماده هذه الرؤية تستحضر فلسفة هيراقليطس القائمة على وحدة الأضداد حيث الموت والحياة وجهان لعملة واحدة كما تتقاطع مع مفهوم هايدغر في “الكينونة والزمان” حيث يصبح الوعي بالموت مدخلًا للوجود الأصيل ويمنح الحياة معنى من خلال لغة فلسفية جدلية
سيميائيًا يعكس النص علاقة تقابلية بين “الموت” و”البعث” ليصبح الحلم دورة كينونية تنقذ المعنى من الفناء وتؤكد استمرارية الشعر كفعل وجودي يعتمد على تحولات اللغة فلسفيًا يرى سبينوزا هذه الجدلية كتحول في أنماط الوجود ضمن الجوهر الأبدي حيث الموت انتقال إلى نمط جديد واللغة وسيلة للتعبير عن الجوهر أما نيتشه فيرى في الموت والبعث تأكيدًا للعود الأبدي حيث يجب على الإنسان أن يريد الموت والبعث مرات لا نهائية ليثبت إرادته القوية في المقابل ينفي هيوم في “حوارات حول الدين الطبيعي” أي بعث ميتافيزيقي معتبرًا الموت انقطاعًا للتجارب الحسية ما يجعل رؤية القصيدة تحديًا لشكّه الوجودي
أدبيًا يتجلى هذا عند شكسبير في “هاملت” حيث يصبح الموت سؤالًا وجوديًا يؤدي إلى بعث معنوي عبر حوارات لغوية عميقة وعند تولستوي في “موت إيفان إيليتش” حيث يبعث الوعي بالموت حياة أصيلة عبر لغة سردية وفي الأدب العربي يظهر عند محمود درويش في “لماذا تركت الحصان وحيدًا” حيث يصبح الموت بعثًا للذاكرة الجماعية مؤكدًا البعد الوجودي للقصيدة كمقاومة ضد النسيان والفناء.
⸻
الحلم صعود ميتافيزيقي
يقول الشاعر
“وأصعد في موتي المرتجى حتى عناق السماء”
يتجاوز النص الحلم كصورة باطنية ليصبح حركة صعودية عمودية تتفتح على أفق ميتافيزيقي يربط الأرض بالسماء هذه الرؤية تستحضر الفكر الأفلاطوني في “المأدبة” حيث الحب والجمال درجات للصعود من العالم المحسوس إلى المثال المطلق كما تتردد في المعراج الصوفي عند ابن عربي في “الفتوحات المكية” حيث يرتقي الإنسان من المادي إلى الإلهي عبر لغة صوفية.
سيميائيًا يشير فرويد إلى أن الصعود يشير إلى الانتقال من العالم الأفقي إلى أفق علوي متعال فيصبح الحلم وسيلة للسمو الروحي وإعادة اكتشاف الواقع عبر تحولات اللغة من منظور سبينوزا الصعود تأمل في الجوهر الإلهي الذي يربط العقل بالطبيعة الكلية بينما يرى نيتشه في ما وراء الخير والشر أن الصعود تجاوز للقيم التقليدية نحو خلق فوق الإنسان باستخدام لغة تحررية ويشكك هيوم في واقعيته معتبرًا الصعود وهمًا لا يستند إلى تجارب حسية أما أدبيًا يظهر هذا في دانتي في الكوميديا الإلهية حيث تصعد الروح من الجحيم إلى الجنة في رحلة ميتافيزيقية عبر لغة شعرية وعند ميلتون في الفردوس المفقود والصعود بحث عن الفداء عبر لغة أسطورية وفي الأدب العربي عند جلال الدين الرومي في المثنوي يصبح الحلم صعودًا صوفيًا نحو الاتحاد الإلهي
اللغة بين الاحتضار والمجد
يقول الشاعر
زعمت احتضار الحروف ولادة مجدًا
القصيدة تقدم رؤية جدلية تجعل اللغة كائنًا حيًا يمر بمرحلة الاحتضار ليولد مجدًا جديدًا اللغة تمنح معناها من خلال تجربة الموت الرمزي حيث يتحول الاحتضار إلى ولادة لمعان متجددة وتصبح الحروف أجسادًا حية هذه الرؤية تتقاطع مع جاك دريدا في علم الكتابة الذي يرى أن كل نص قائم على الأثر وأن الكتابة تفكك المعنى السابق لتعيد بناء معنى جديد
سيميائيًا يعتمد النص على تقابل بين الاحتضار والمجد مؤسسًا دينامية التفكك وإعادة التشكيل حيث الحلم فضاء لتجديد اللغة والوجود فلسفيًا يرى سبينوزا اللغة جزءًا من النمط العقلي ضمن الجوهر الأبدي بينما يراها نيتشه أداة لإرادة القوة يجب أن تموت اللغة التقليدية لتبعث مجدًا جديدًا أما هيوم فيرى اللغة كمجموعة من العادات اللفظية دون عمق ميتافيزيقي
أدبيًا نجد هذا عند صموئيل بيكيت في انتظار غودو
حيث تموت اللغة لتبعث في السخف الوجودي وعند ت س إليوت في الأرض اليباب حيث يبعث المجد من احتضار الثقافة وفي الأدب العربي يظهر عند نزار قباني حيث تموت اللغة التقليدية لتبعث حبًا وجوديًا
الحلم والعهد الوجودي
يتخذ الحلم بعدًا وجوديًا يجعله عهدًا بين الشاعر والقصيدة بين الذات والآخر حيث تصبح اللغة التزامًا أخلاقيًا ومسؤولية تجاه الوجود كما يقول الشاعر زعمت