مقال

رصاصة الغدر.. حين يأتي الموت من أهل الأرض

بقلم: سهام محمد راضي

في لحظة صادمة، لم يكن العدو فيها هو من يحمل علم الاحتلال، بل من يحمل نفس الملامح واللغة والهوية… رحل الصحفي الفلسطيني صالح الجعفراوي شهيدًا، لكن هذه المرة لم تُزهق روحه بصاروخ من طائرة إسرائيلية، بل برصاصٍ غادر خرج من بنادق خونةٍ من داخل غزة نفسها.

صالح، الذي عرفه العالم كأحد أكثر الأصوات تأثيرًا في تغطية الحرب على غزة خلال العامين الماضيين، كان يحمل كاميرته البسيطة وهاتفه ليُري العالم الوجه الحقيقي للدمار، ويكسر الرواية الصهيونية التي طالما ادّعت أنها “الجيش الأكثر أخلاقية”.
بكاميرته المتواضعة، فضح آلة الدعاية الإسرائيلية، وجعل الملايين حول العالم يشاهدون الحقيقة دون تزييف أو تلميع. حتى الإعلام العبري وصفه ذات يوم بأنه “خطر يجب إسكاتُه”، وكان اسمه على قوائم الاغتيال لدى جيش الاحتلال.

لكن القدر كتب له نهاية أقسى من الحرب ذاتها…
فبعد إعلان الهدنة، وبينما كان يُوثق حجم الخراب في حيّ الصبرة جنوب غزة، فُقد الاتصال به لساعات، قبل أن يُعثر على جثمانه مصابًا بسبع طلقات في أنحاء متفرقة من جسده.
القاتلون –بحسب الشهود– لم يكونوا غرباء، بل مسلحين من ميليشياتٍ متعاونة مع الاحتلال، ممن تلطخت أيديهم بخيانة الأرض والعِرض، وتورطوا في تسريب المعلومات والسلاح خلال الحرب.

كم هو موجع أن تأتيك الرصاصة من ظهرٍ كنت تظنه سندًا، وأن يُغتال حلمك على يد من كنت تكتب لأجلهم، وتخاطر بحياتك لتُظهر مأساتهم للعالم.

كان صالح يردد دائمًا: “لا أخشى الموت، وسأظل شوكة في ظهرهم.”
لكن ما لم يكن يتوقعه، أن يكون “ظهرهم” هذه المرة من جلدِه ولغتِه ودمِه.

لقد رحل صالح، لكن رسالته لم ترحل.
فموته صار صرخة في وجه النفاق، وتذكيرًا بأن الاحتلال وحده ليس الخطر الحقيقي…
الخطر يكمن في الخيانة الداخلية، فيمن باعوا وطنهم بثمنٍ بخس، وتزيّنوا بوشاح الوطنية بينما يطعنون أحرارها من الخلف.

رحم الله صالح الجعفراوي، صوت الحقيقة الذي لم يصمت حتى وهو يغادر الحياة.
رحم الله كل من غدر به القريب قبل البعيد…
وسيظل صوته شاهدًا على أن العدو قد يُقاتلك، لكن الخائن هو من يقتلك مرتين… مرة بالرصاصة، ومرة بالنسيان.

sdytm165@gmail.com

About Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *