
بقلم/نشأت البسيوني
هناك لحظات يا صديقي
حين ينهكنا الانتظار أكثر من أي شيء
تصبح القلوب متعبة والأرواح مشتتة
كأنها جثث صغيرة تتنفس بصعوبة
تبحث عن أي شيء يبقيها على قيد الحياة
الانتظار ليس صبرا دائما
بل هو صمت ثقيل
وحزن مستمر
وحيرة تأكل من الداخل
وتبقيك في دوامة من ماذا لو
ومتى سيأتي ما أتمناه
كم مرة جلست وحيدا
تحاول أن تعيد ترتيب أفكارك
وأن تصالح نفسك مع الغياب
لكن كل شيء حولك كان يصرخ بأنك لم تتجاوز شيئا بعد
تكتشف أن الانتظار يترك في قلبك ندوبا صغيرة
تتكاثر مع كل لحظة صامتة
أتعلم يا صديقي
أقسى ما في الانتظار
أنه يعلمك أن تصبر
لكن دون أن يعطيك أي وعد بالفرج
أنه يعلمك أن تتحمل
لكن دون أن يخفف عنك ثقل الجراح
وأن تنتظر رغم كل شيء
رغم كل الإحباط رغم كل الخيبة رغم كل الألم
وعلى حافة هذا الصبر
تبدأ الأرواح بالهروب من الداخل
تبحث عن مساحات صغيرة تخفف عنك
عن طريق نافذة عن طريق حلم صغير عن طريق ضحكة أو كلمة
تلتقطها من الهواء
وتحاول أن تعيد بها توازن قلب منهك
يا صديقي
ليس كل من ننتظرهم يعود
ولا كل وعد يتحقق
لكن الصبر يعلمنا شيء واحدا
أن الحياة ليست عادلة
وأن القوة الحقيقية لا تأتي من الغلبة على الآخرين
بل من البقاء واقفا رغم كل الانكسارات
من الابتسام رغم كل الخيبات
ومن انتظار الضوء رغم أن الليل يطول بلا نهاية
كم من مرة شعرت بأنك على وشك الانهيار
وكم مرة حملت قلبك المكسور
وجعلت نفسك تبتسم
كم مرة بكيت في الظلام
ثم نهضت في الصباح وكأن شيئا لم يكن
كل هذا يا صديقي هو ما يعلمك أن تكون حيا حقا
وأن القوة ليست في عدم الانكسار
بل في القدرة على النهوض بعد كل سقوط
حين يغفو الصبر على حافة الانتظار
تدرك أن الانتظار لم يكن عبثا
وأن كل لحظة ألم كانت تزرع فيك شيئا ثمينا
تعلمك كيف تحب من جديد
وكيف تثق
وكيف تتجاوز حتى لو لم يكن هناك من ينتظر أن يواسيك
وفي النهاية
حين يأتي الفرج أو لا يأتي
تكتشف أن الحياة كانت طوال الوقت
تعلمك أن تكون أنت النور في قلبك
أن تكون الأمل الذي تنتظره نفسك
وأن الحب الأكبر وأصدق السلام
هو ما تمنحه لنفسك حين لا يمنحه أحد

