خواطر

حين يصبح الصمت ملاذا للقلوب

بقلم/نشأت البسيوني

هناك لحظة لا يصل فيها الكلام إلى القلب
ولا تسعفه الكلمات لتعبر عن ما يختلج داخله
حينها فقط يدرك المرء أن الصمت ليس غيابا
بل حضن آمن ملاذ يلتجئ إليه القلب ليستريح
ويتأمل نفسه والعالم حوله بدون ضوضاء
حين يصبح الصمت ملاذا للقلوب
تصبح الروح قادرة على سماع نفسها
تمعن النظر في عمق المشاعر التي كانت تتلاشى بين ضجيج الحياة
وتعيد ترتيب الأفكار والذكريات والأحلام
فتكتشف أن كل ضيق عاشته لم يذهب عبثا
وأن كل تجربة مهما كانت موجعة صنعت منك إنسانا أعمق
في الصمت تجد القلوب ما يعجز عنه الكلام
هناك حيث لا تضطر لإقناع أحد
ولا للخوف من الحكم عليك
تسمع نبضك الحقيقي لأول مرة
وتعرف كم أنت ضعيف وكم أنت قوي
وكم كنت بعيدا عن نفسك بينما كنت تحاول الظهور متماسكا أمام الآخرين
حين يصبح الصمت ملاذا للقلوب
تتعلم أن تفهم لغة المشاعر دون حاجة للكلمات
أن ترى التفاصيل الصغيرة التي أهملتها
أن تصغي لكل همسة قلبية لكل دقة نبض لكل دمعة خفية
وتدرك أن الحب الحزن الفرح والألم
ليسوا بحاجة لأن يقالوا دائما
بل يكفي أن يحسوا ليصبحوا حاضرا في كل لحظة
يا صديقي
الصمت يعلم الصبر ويعلم الرضا
ويعلم أن التواجد في اللحظة الحقيقية أفضل من الهرب من الواقع
ويذكرنا أن بعض الأشياء تحتاج أن تترك كما هي
حتى ينضج الفهم ويكبر القلب ويصبح الحب أصدق
والألم أخف والحنين أرقى
في الصمت تتفتح أبواب الروح على مصراعيها
ترى من حولك بأعين جديدة
تستقبل الذكريات كما لو كانت زهورا
وتتعلم كيف تسامح كيف تحب وكيف تبتسم دون سبب
فكل شيء حولك أصبح درسا وكل شخص مر بحياتك أصبح مرآة
تعكس ما في داخلك من ضعف وقوة خوف وشجاعة حزن وفرح
حين يصبح الصمت ملاذا للقلوب
تجد نفسك تتحدث مع الله بلا كلمات
تبوح بكل ما يثقل صدرك
بدون خوف بدون حرج بدون تظاهر
وتكتشف أن الدعاء الحقيقي ليس ما يقال
بل ما يشعر به القلب في صمته
حين يعطي كل شيء بلا مقابل ويقبل كل شيء بلا اعتراض
وفي الصمت أيضا تتعلم قيمة الغياب
فكل من رحل عنك وكل تجربة فشلت وكل حلم لم يتحقق
صار لها معنى جديد
صار لكل دمعة سبب ولكل ابتسامة أثر
وصار للقلب القدرة على أن يعيش متصالحا مع نفسه
ممتلئا بالحياة رغم أنف الأيام
ممتلئا بالحب رغم غياب من أحب
ممتلئا بالسلام رغم كل العواصف
يا صديقي
حين يصبح الصمت ملاذا للقلوب
تدرك أن الوجود الحقيقي ليس في الكلام
ولا في الحركة ولا في الصخب
بل في الهدوء الذي يخلق مساحة للروح كي تزهر
وفي القدرة على أن تسمع نفسك
وتعيش حاضر اللحظة بوعي
وتستشعر كل لحظة على حقيقتها
وتشكر الله على كل تفاصيلها مهما كانت صغيرة
وفي النهاية
حين يصبح الصمت ملاذا للقلوب
تصير كل ليلة مظلمة فرصة للقاء الذات
كل دمعة درس
وكل ابتسامة هدية
فتخرج من بعده إنسانا مختلفا
أعمق أهدأ أصدق مع نفسه ومع العالم
وأقوى من أي عاصفة قد تمر في طريقه
لأن قلبك يا صديقي قد عرف ملاذه
وصار صمته أجمل حديث وأصدق حياة

sdytm165@gmail.com

About Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات متعلقة

خواطر

احلام الخيال