
بقلم/نشأت البسيوني
في لحظة ما يتوقف الحرف عن الركض وتتعثر اللغة في منتصف الطريق
فتتولى الدموع مهمة الحديث نيابة عن القلب
هناك أوجاع لا تحكى لأنها حين تقال تفقد معناها
ولا يفهم عمقها إلا من ذاقها
فتبكي العيون لأن الصدر ضاق بما لا يروى
ولأن الكلام مهما كان فصيحا يعجز عن ترجمة الوجع
يا صديقي
أتعلم أن الدموع أصدق من ألف خطاب
أنها الحبر الذي يكتبه الحزن على وجه الإنسان
كل دمعة هي سطر من قصة لم تكتمل
وكل وجنة مبتلة تحمل بين قطراتها ما لم يستطع اللسان أن يبوح به
حين تكتب الدموع ما عجز عنه الكلام
يصبح الصمت قصيدة
ويتحول الوجع إلى موسيقى خفية لا يسمعها إلا القلب
إنها لحظة يتحد فيها الألم مع النقاء
حيث لا مكان للتصنع
فقط صدق عار يخرج من عمق لا يمس
كم من مرة حاولت أن أشرح ما يؤلمني فلم أجد سوى دمعة واحدة تقف عند حافة عيني
تقول لي بهدوء دعني أتحدث عنك
فتنزل وتختصر في سقوطها كل الفصول التي مرت علي
وكل الوجوه التي غابت
وكل الأحلام التي تهشمت على أعتاب الخيبة
الدموع يا صديقي ليست ضعفا كما يظن البعض
بل شجاعة من لا يريد أن يخفي وجعه
قوة من يختار أن يواجه الألم بدلا من دفنه في الصدر
هي الطريقة التي يطهر بها القلب نفسه
كأنها مطر يغسل تعب الأيام
ويمسح غبار الحزن عن وجه الروح
أحيانا
تكون الدموع رسالة إلى الله
دعاء بلا كلمات
يصل صادقا نقيا دون وسيط ولا صوت
كأنك تقول بدمعتك ما لم تستطع أن تهمس به لغيره
ومن رحمة الله أنه يفهم لغة الدموع
فلا تذرفها عبثا
بل يخبئ لك بها فرجا لم تتوقعه
حين تكتب الدموع ما عجز عنه الكلام
يتحول الحزن إلى شيء جميل بطريقة غريبة
كأن الوجع نفسه يصبح فنا
وكأن البكاء يمنحنا نقاء لم نكن نملكه من قبل
فنخرج من بعده أهدأ أصدق وأقرب لأنفسنا
يا من تبكي بصمت ولا ترى
اعلم أن الدموع لا تفضحك بل تنقذك
وأن كل دمعة خرجت منك كانت تكتب حكاية جديدة من صبرك
فابك إن احتجت
لكن لا تنس أن تقوم بعدها
فما بعد البكاء إلا بداية ضوء
وما بعد الدموع إلا فجر من طمأنينة يعيد ترتيب روحك من جديد

