
بقلم/نشأت البسيوني
هناك لحظة لا تشبه سواها
حين تستيقظ الروح من سباتها الطويل
كأنها عصفور تحرر من قفص حديدي ظل يقيده أعواما
فتنطلق خفيفة نحو سماء جديدة
تبحث عن نفسها التي ضاعت بين الزحام
وتستعيد نبضها الذي خفت تحت ثقل الوجع
حين تعود الروح بعد الغياب
تشعر أن الهواء مختلف
أن الضوء ألين
وأن الحياة رغم قسوتها ما زالت قادرة على العطاء
تلمح في وجوه الناس شيئا من الأمل
وتستمع لضحكتك الأولى بعد صمت طويل
فتدرك أنك لم تخلق لتبكي دائما
وأن الفقد مهما طال لا يقتل فينا الحياة
حين تعود الروح بعد الغياب
تعرف أن ما رحل لم يكن خسارة
بل درسا وأن كل انكسار ترك فيك أثرا
لكنه في الوقت نفسه منحك وعيا جديدا
وصبرا يشبه الحكمة
وقلبا صار يعرف طريقه حتى في الظلام
تتعلم أن لا شيء يستحق أن يطفئ نورك
ولا أحد يستحق أن يسرق سلامك
تتعلم أن الله لا يأخذ إلا ليعطي
ولا يبعد إلا ليقرب
ولا يوجع القلب إلا ليعيد تشكيله من جديد
على هيئة أقوى وأجمل وأكثر صبرا
حين تعود الروح بعد الغياب
تصبح تفاصيل الحياة الصغيرة كأنها كنوز
شمس الصباح التي تدخل غرفتك بخجل
ضحكة طفل عابرة في الشارع
رسالة غير متوقعة من صديق قديم
رائحة المطر الأولى بعد طول الانتظار
تلك اللحظات البسيطة التي كنا نغفلها
تصبح سببا كافيا لأن نبتسم
ونقول لأنفسنا ما زالت الحياة بخير
يا صديقي
حين تعود الروح لا تعود كما كانت
تعود أكثر صدقا
وأكثر حبا
وأقرب إلى الله وإلى ذاتها
تعود وقد عرفت معنى الغياب
واختبرت وجع الفقد
وفهمت أن أقسى الليالي كانت بوابة الفجر
وفي النهاية
حين تعود الروح بعد الغياب
تدرك أن كل سقوط كان خطوة نحو النور
وأنك لم تضع بل كنت تعاد خلقا من جديد
لتصبح النسخة الأجمل من نفسك
نسخة تعرف أن الوجع مؤقت
وأن العودة الحقيقية تبدأ من الداخل

