
بقلم : سهام محمد راضي
في كل موسم انتخابي، البلد تتفتح على مشاهد متناقضة… ناس تشتغل بعقل، وناس تشتغل بـ«الأذية». ناس هدفها توضيح الرؤية، وناس هدفها تعكير المية. لكن اللي حاصل الأيام دي تخطّى حدود الاختلاف السياسي، وبقى سوق كبير للمهاترات، والشائعات، والأكاذيب اللي بتنتشر أسرع من الحقيقة نفسها.
على مواقع التواصل—وخاصة الصفحات الفيك—لقى عديمي الضمير فرصة ذهبية.
صفحات مالهاش صاحب، ولا عنوان، ولا مسؤول، بتتكلم كأنها مصدر رسمي، وتفبرك كأنها وكالة أنباء، وتتكلم باسم الناس وهي في الأساس بتتكلم باسم مصالحها. والأدهى إن أصحابها لابسين لباس إعلامي من غير تاريخ، ومن غير مهنية، ومن غير حتى أخلاق.
يكتبوا بوست… فتقوم بلبلة.
يطلقوا شائعة… فتنتشر.
يتطاولوا على مرشح… فتشتعل التعليقات.
لا ضمير، ولا رقابة ذاتية، ولا خوف من تأثير كلامهم على الرأي العام أو على استقرار الناس.
ومن أغرب ما تم ترويجه مؤخرًا، تلك الكذبة السمجة:
«الانتخابات هتتلغي».
وكأن الإلغاء لعبة في إيد مجهول، أو قرار بيطلع من غرفة مظلمة، أو رسالة بتتسرب على فيسبوك.
هي شائعة اتفصّلت مخصوص لإرباك الناس وزرع شك في كل شيء…
وكلها مبنية على «كلمة» و«بوست» و«حد قال لحد».
اللي يروّج لمثل هذه الأكاذيب مش هدفه المعرفة…
هدفه الفوضى.
ومش هدفه الحقيقة…
هدفه ضرب الثقة في العملية الانتخابية نفسها.
ومش هدفه مصلحة الناس…
هدفه «مصلحته هو بس»، سواء كانت فلوس، أو خدمة، أو تقرّب من مرشح، أو محاولة إسقاط مرشح آخر.
والمصيبة الأكبر إن بعضهم ما بيهاجمش مرشح لأنه شايف خطأ أو عنده رؤية نقدية…
بيهجم علشان «مفيش منه مصلحة»، ويمدح مرشح تاني «لإنه واخد منه حتة».
فتحولت المنافسة إلى «سوق مصالح»، وتحوّل الرأي إلى «تصفية حسابات»، وتحول النقاش إلى «معركة سبّ وقذف».
الانتخابات في الأصل مساحة للنقاش، لعرض برامج، لطرح أفكار، وللسماع لصوت الناس.
مش ساحة للردح، ولا منصة للشائعات، ولا حلبة لتكسير السمعة.
الناس اللي بتشتغل بالشرف مش محتاجة صفحات فيك، ولا محتاجة هجوم مدفوع، ولا محتاجة تشويه غيرها.
اللي عنده برنامج بينزل يقدمه…
واللي عنده شعبية بيبان أثره…
واللي عنده مصداقية بيقف ثابت من غير ما يخاف من بوست ولا صفحة.
والحقيقة اللي لازم يفهمها كل واحد داخل اللعبة أو بيتفرج عليها:
الشائعة عمرها قصير، لكن أثرها قاسي.
والكذبة سريعة، لكن نهايتها دايمًا فاضحة.
والصفحات الفيك مهما علت ضجتها… صوتها يختفي أول ما الحقيقة تطلع.
الناس بقت واعية أكتر من زمان.
بقت تفرّق بين الإعلام الحقيقي وإعلام «القهوة».
بين النقد الموضوعي وتصفية الحسابات.
بين المعلومة وبين «المصلحة».
بقت تعرف مين بيتكلم بضمير… ومين بيتكلم بفلوس.
ومين بيكتب لوجه الحقيقة… ومين بيكتب «لوجه المحفظة».
وفي النهاية، تفضل القاعدة ثابتة:
لا شائعة تسقط مرشحًا قويًا…
ولا مهاترة ترفع مرشحًا بلا شعبية…
ولا صفحة فيك تصنع وعيًا أو تهدم وطنًا.

