
كتب ضاحى عمار
ومن قلب قطاع غزة بدأت تداعيات اغتيال رائد سعد، أحد أبرز القيادات العسكرية في حركة حماس، تتجاوز حدود العملية العسكرية ذاتها، لتفتح الباب واسعًا أمام أسئلة سياسية وأمنية شديدة الحساسية، في توقيت بالغ التعقيد يشهد فيه القطاع هدنة هشة، واتفاق وقف إطلاق نار بات مهددًا بالانهيار في أي لحظة.
وبغارة دقيقة نفذتها طائرة مسيّرة، استهدفت سيارة غربي مدينة غزة، أُعلن عن مقتل رائد سعد، الذي تصفه إسرائيل بأنه العقل المدبر للتصنيع العسكري وأحد مهندسي هجمات السابع من أكتوبر، بينما تنظر إليه حماس باعتباره رمزًا عسكريًا بارزًا، وتؤكد أن اغتياله يمثل خرقًا فاضحًا لاتفاق وقف إطلاق النار الساري منذ أكتوبر الماضي.
وفي قراءة أولية للمشهد، يرى اللواء أشرف فوزي، الخبير الأمني، أن توقيت العملية لا يقل خطورة عن هدفها، مؤكدًا أن إسرائيل أرادت توجيه رسالة مزدوجة، الأولى لحماس بأن القيادات المحورية ليست بمنأى عن الاستهداف، والثانية للوسطاء بأن يدها ما زالت طليقة ميدانيًا رغم أي التزامات سياسية. ويشير فوزي إلى أن مثل هذه العمليات غالبًا ما تُستخدم كورقة ضغط قبل أي ترتيبات تفاوضية جديدة.
ومن زاوية أمنية أوسع يوضح اللواء فوزي أن اغتيال شخصية بحجم رائد سعد قد يحقق لإسرائيل مكسبًا تكتيكيًا محدودًا، لكنه في المقابل يرفع منسوب المخاطر، خاصة مع وجود عناصر ميدانية قادرة على إعادة تنظيم الصفوف، معتبرًا أن التجارب السابقة أثبتت أن سياسة الاغتيالات لا تحسم الصراع بقدر ما تعمّق دوائر العنف.
وعلى الصعيد السياسي يؤكد المحلل السياسي طارق الهواري أن العملية تمثل اختبارًا حقيقيًا لاتفاق وقف إطلاق النار، مشيرًا إلى أن استمرار مثل هذه الخروقات يضعف الثقة في أي مسار تهدئة، ويمنح الأطراف المتشددة داخل إسرائيل وحماس مبررًا لتصعيد جديد. ويضيف الهواري أن حكومة الاحتلال تحاول تصدير أزماتها الداخلية عبر تصعيد محسوب في غزة.
وبحسب الهواري فإن اغتيال رائد سعد يحمل أبعادًا تتجاوز الداخل الفلسطيني، لافتًا إلى أن المنطقة بأكملها تقف على حافة توتر متجدد، في ظل غياب ضمانات دولية حقيقية تلزم الأطراف باحترام الاتفاقات الموقعة، خاصة مع تراجع الضغط الدولي الفعلي، والاكتفاء ببيانات الإدانة.
وفي الميدان تزامن الاغتيال مع تصاعد الخروقات الإسرائيلية، سواء عبر الغارات أو إطلاق النار، ما أسفر عن سقوط ضحايا مدنيين، وهو ما يعزز، وفق مراقبين، احتمالات الرد من جانب فصائل المقاومة، ولو بشكل محدود، لتفادي الانزلاق إلى مواجهة شاملة، مع الحفاظ على معادلة الردع.
ومن منظور استراتيجي يرى خبراء أن غياب رائد سعد قد يترك فراغًا مؤقتًا داخل البنية العسكرية لحماس، لكنه لن يشل قدرتها القتالية، مؤكدين أن الحركة اعتمدت خلال السنوات الماضية على توزيع الأدوار وعدم تركيز القرار في يد شخص واحد، تحسبًا لسيناريوهات الاغتيال.
وفي المحصلة النهائية يبدو أن اغتيال رائد سعد لم يكن مجرد ضربة عسكرية، بل حلقة جديدة في صراع مفتوح، تتداخل فيه الحسابات الأمنية مع الرهانات السياسية، وسط واقع إنساني يزداد تدهورًا في غزة، واتفاق تهدئة يتآكل يومًا بعد يوم، في انتظار ما إذا كانت الأطراف ستنجح في احتواء التداعيات، أم أن المنطقة مقبلة على جولة جديدة من التصعيد

