
بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله ذي الجلال الأكبر، عز في علاه فغلب وقهر، أحصى قطر المطر، وأوراق الشجر، وما في الأرحام من أنثى وذكر، خالق الخلق على أحسن الصور، ورازقهم على قدر، ومميتهم على صغر وشباب وكبر، أحمده حمدا يوافي إنعامه، ويكافئ مزيد كرمه الأوفر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة من أناب وأبصر، وراقب ربه واستغفر، وأشهد أن سيدنا ومولانا محمدا عبده ورسوله، وحبيبه وخليله، الطاهر المطهّر، المختار من فهر ومضر صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وذويه، ما أقبل ليل وأدبر، وأضاء صبح وأسفر، وسلم تسليما كثيرا كثيرا أما بعد يقول النبي صلى الله عليه وسلم أنه ” بادروا بالأعمال الصالحة فستكون فتن كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا، ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا، يبيع دينه بعرض من الدنيا”
ويقول قائل من واقع الحياة ذات يوم سافرت ألقي خطبة الجمعة في مكان يبعد عن بيتي مسافة طويلة، أركب خلالها ثلاث مواصلات على الأقل، وكانت المواصلة الأولى مشروع أربعة عشر راكب، بعدما اكتملت السيارة خرجنا من مجمع السيارات، وسار بنا السائق حتى قطع من الطريق أربعة كيلومترات تقريبا، وعند جمع الأجرة لم يجد فكة ليعيد الباقي للركاب، قال أحدهم ممكن تفك من أي بنزينة أو سوبر ماركت في الطريق، صاح السائق واشتاط غضبا، وإستدار بالسيارة عائدا من حيث أتى، مهددا الناس أنه سيعمل بهم حادثة، أو ينزل بالسيارة في الماء، والنساء تصرخ من الخوف وهو يمشي بسرعة رهيبة، وعلاوة على ذلك يشتم ويسب ويتطاول على الناس وعلى الدين للأسف الشديد، ونزل الركاب في الموقف وحصل بعض اللوم من زملائه.
وركب الناس سيارة أخرى وخرج السائق الثاني بهم، جمع الناس الأجرة ونفس المشكلة لم يكن معه فكة، إلا أنه بأسلوب راق تحدث مع الناس، وإنحاز إلى بنزينة وفك الفلوس، وأعطى الباقي للناس في تواضع جم، وفي المواصلة الثالثة ركب الناس وأنا معهم مع سائق ثالث، حل مشكلة الفكة أيضا في سلاسة، ثم نسي أن ينزل أحد الركاب في مكانه، ولما ذكّره أحد الناس، عاد بالسيارة إلى الخلف حتى أوصل الراكب إلى مكانه الذي أراد أن ينزل فيه، معتذرا له بلطف هل رضيت؟ رد الراكب نعم رضيت، أشكرك كثيرا، والشاهد أن اليوم جمعة، والمفروض أذكار وإستغفار وصلاة وتهاني، فهو عيد المسلمين الأسبوعي، لكن يتمايز الناس بحسن الخلق، فالسائق الأول صاحب خلق سيئ، وألفاظ بذيئة، وتصرف مشين، وأذى للناس، وتعطيلهم عن أعمالهم.
والسائق الثاني تحلى بقدر من الأخلاق، وأدى ما عليه، وحل المشكلة ببساطة، فشكره الناس، وشكر له الله، فالسائق الثالث كان رائعا، مثالا لصاحب الخلق الرفيع، يتحدث بصوت خفيض، يعتذر بتواضع، يبتسم في وجه الناس، اصطحب حب الناس، ونال دعواتهم، وهكذا الناس تتفاوت في التعامل حسب الأخلاق والعبادات تثمر الأخلاق، وإلا فلا فائدة منها، ولا عائد من ورائها، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قرآنا يمشي على الأرض، صاحب الخلق العظيم، يتعامل مع الناس بموجب القرآن، ويقضي بينهم بمقتضى الإيمان، وهو القائد القدوة، يقتدي به المسلم في حركاته وسكناته، في سفره ومقامه، في يسره وعسره، في قوته وضعفه، في غناه وفقره، في سلمه وحربه، وعافيته وسقمه، فيا إخوة الإسلام وأحباب الحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم ما الهدف والغاية من وجودنا؟
ولماذا خلقنا يا عباد الله ولماذا أوجدنا في هذه الحياة؟ فهل خلقنا لنأكل ونشرب ونلبس؟ أم وجدنا لنجمع الأموال الوفيرة والكنوز والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث؟ أم الهدف والغاية من وجودنا وخلقنا أن نتمتع بزخرف هذه الحياة وزينتها؟ لا والله يا عباد الله ما خلقنا في هذه الدنيا عبثا ولم نترك فيها سدى، فيقول تعالي ” أيحسب الإنسان أن يترك سدى ” فلقد خلقنا والله لمهمة عظيمة وغاية جليلة، تبرأت منها السموات والأرض والجبال وأبين أن يحملنا وأشفقن منها وحملها الإنسان، لقد خلقنا لتوحيد الله الواحد الأحد وإفراده بالعبادة سبحانه وتعالى، والعبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، فيقول الله تعالي ” وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون “

