مقال

الرشوة فساد في الضمير وضرر في التعامل


بقلم / محمـــد الدكـــروري
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أما بعد فإن خير الكلام كلام الله تعالى وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، ثم أما بعد ذكرت المصادر الإسلامية الكثير عن الرشوة وعن أضرارها علي الفرد والمجتمع، وعند شيخ الإسلام الإمام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى، في جواب عن سؤال في هدايا الأمراء لطلب حاجة أو التقرب منهم، فبدأ جوابه بحديث أبي هريرة رضي الله عنه عند أبي داود وابن ماجة، قال ” من شفع لأخيه شفاعة فأهدى له هدية فقبلها فقد أتى بابا عظيما من أبواب الربا”

وساق تحريم الرشوة ثم قال فأما إذا أهدى له هدية ليكف ظلمه عنه أو ليعطيه حقه الواجب كانت هذه الهدية حراما على الآخذ، وجاز للدافع أن يدفعها إليه، وذكر الأثر الأول في إعطاء رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ملح في مسألة المتقدم إبداءه، وذكر أيضا موضوع العتق والطلاق من أسر خيرا وكان ظالما للناس فأعطوه جاز للمعطي حرام على الآخذ، وساق كلاما طويلا في هذا المعنى، فيا أيها الناس أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل، فيا سعادة من إتقاه، ويا فوز من خافه في سره ونجواه، ويا فلاح من لم يزل بطاعته قائما، وعن معصيته متباعدا ومتجانبا، فكلما تقادم عهد النبوة وإقترب الناس من القيامة، قلّ الدين في الناس وفسدت الأخلاق، وضيعت الأمانات، ولا يأتي على الناس زمان إلا والذي بعده شر منه، لكن لا يزال للحق رجال يحملونه ويدافعون عنه إلى قيام الساعة.

كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين” رواه مسلم، وروى أبو هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ” إذا ضيعت الأمانه فانتظر الساعة ” رواه البخاري، وقال ابن مسعود رضي الله عنه ” أول ما تفقدون من دينكم الأمانة ” وإذا فقدت الأمانة بين الناس ضاعت الحقوق وإضمحل العدل، وإنتشر الظلم، وحينئذ يرفع الأمن ويسود الخوف، واعلموا يرحمكم الله أن الرشوة هي أشد الأمراض الاجتماعية فتكا بالأمم، فإنها مرض خطير، يفتك بالمجتمع فتكا ذريعا، ويهدر أخلاق الأمة وكيانها ويعود عليها بالوبال والدمار في الأسر والمجتمعات والأفراد والمال والعيال والحال والمآل في الدنيا ويوم العرض على الكبير المتعال، فإنه مرض الرشوة، فإذا فشت الرشوة في أمة من الأمم وتساهل الناس في تعاطيها.

فإعلم أن الضمائر قد ماتت وأن نظام الأمة قد قوّض، ومن أجل هذا فقد قص الله تعالي علينا في كتابه الكريم من أخبار اليهود أنهم سمّاعون للكذب أكّالون للسحت فقال تعالى ” سماعون للكذب أكالون للسحت ” أي يسمعون الباطل ويأكلون الرشوة، فالكذب هو الباطل في كل صوره وأشكاله وأنواعه وألوانه وطرقه الملتوية، والسحت هو الرشوة كما فسر الآية عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وغير واحد من السلف، الرشوة فساد في الضمير وضرر في التعامل، وإن من شر ما تصاب به الأمم في أهلها وبنيها أن تمتد أيدي فئات من عمالها وأصحاب المسؤوليات فيها إلى تناول ما ليس بحق، فصاحب الحق عندهم لا ينال حقه إلا إذا قدم مالا، والمظلوم فيهم لا ترفع مظلمته إلا إذا دفع رشوة، وصلوا وسلموا على النبي العربي الأمي الذي بعثه الله رحمة بكم وشفقة عليكم صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا.

osama elhaowary

About Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *