
أسباب تفشي المنكرات من ضياع وتشتت
بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله الذي خلق فسوى وقدر فهدى، وأسعد وأشقى، وأضل بحكمته وهدى، ومنع وأعطى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له العلي الأعلى، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله النبي المصطفى والرسول المجتبى، وعلى آله وصحبه ومن إهتدى أما بعد يقول الله تعالى “قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا” وهذه الآية فيها دلالة على أن من الناس من يعمل العمل وهو يظن أنه محسن وقد حبط سعيه، والذي يوجب إحباط السعي إما فساد الإعتقاد أو المراءاة، والمراد هنا الكفر، وروى الإمام البخاري عن مصعب قال سألت أبي عن ” قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا أهم الحرورية ؟ قال لا هم اليهود والنصارى، وأما اليهود فكذبوا محمدا صلى الله عليه وسلم، وأما النصارى فكفروا بالجنة، فقالوا لا طعام فيها ولا شراب، والحرورية الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه.
وكان سعد يسميهم الفاسقين، والآية معناها التوبيخ أي قل لهؤلاء الكفرة الذين عبدوا غيري، يخيب سعيهم وآمالهم غدا، فهم الأخسرون أعمالا، وهم الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا في عبادة من سواي، واعلموا إن لكل أمة من الأمم قبلة يتوجّه إليها كل واحد منها في صلاته، فبادروا أيها المسلمون الموحدون والمؤمنون متسابقين إلى فعل الأعمال الصالحة التي شرعها الله لكم في دين الإسلام، وسيجمعكم الله جميعا يوم القيامة من أي موضع كنتم فيه، إن الله على كل شيء قدير، ولقد كثرت الفتن في هذا الزمان، وأصبح المسلم يرى الفتن بكرة وعشيا، وحلّ من البلايا والمحن والنوازل والخطوب الجسام الشيء الكثير، وما ذاك إلا بسبب ما آل إليه حال المسلمين من ضياع وتشتت، وبُعدهم عن منهج الإسلام، وتفشي المنكرات بينهم.
فتسلطت عليهم الأمم الكافرة، واستباحت بيضتهم، وإن أول ما يُعتصم به من الفتن هو كتاب الله عز وجل، وسُنة النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، فإنه لا نجاة للأمة من الفتن والشدائد إلا بالاعتصام بهما، ومن تمسك بهما أنجاه الله تعالى، ومن دعا إليهما هدى إلى صراط مستقيم، لقد عُني الإسلام بالأخلاق منذ بزوغ فجره وإشراقة شمسه، فالقرآن الكريم في عهديه المكي والمدني على السواء إعتنى إعتناء كامل بجانب الأخلاق، مما جعلها تتبوأ مكانة رفيعة بين تعاليمه وتشريعاته، ولقد جاءت الشريعة الإسلامية لتجعل من المجتمع مجتمعا متماسكا متراصا كالبنيان المرصوص، كما قال النبي الكريم محمد صلي الله عليه وسلم” المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا وشبك بين اصابعه ” رواه البخاري، وكما إن الإسلام جاء لحل كل مشكلة، ومحاربة كل جريمة.
وجاءت الحدود في هذه الشريعة ردعا لأصحاب النفوس المريضة، وكانت الحدود رحمة من الله تعالى للأمة، وكان القصاص حياة لأولي الألباب، وكان قطع اليد وقاية لأموال الناس، وكان الجلد والرجم حماية لأعراض العالم، وعلى مر الزمان والعصور تحدث الفتن والأزمات ولكن الأزمة الأخطر هي أزمة القيم والأخلاق، والتي تظهر بين الناس في وقت الشدائد والفتن، والصراعات والحروب، فتظهر الشحناء والبغضاء والكراهية، والحسد والتفرق وحب الذات والتي تظل آثارها طويلة في حياة الأفراد والمجتمعات، ونتائجها سيئة، وتحتاج لمعالجتها الجهود الكبيرة بعد توفيق الله ورعايته، وفي الإسلام دعوة للمسلم لاحترامِ أموال الآخرين، وحفظها وصيانتها، وأن هذا من الضروريات التي دعا إليها، فأموال المسلمين يحرم التعدي عليها إتلافا وإغتصابا، سرقة وغشا وخيانة.
ولأجل هذا حرّمت سرقة أموال المسلمين، وجُعلت السرقة كبيرة من كبائر الذنوب، وجريمة من الجرائم الأخلاقية التي لا يتصف بها ذو دين صحيح، واستقامة على الخير، ومن جملة الظلم أكل أموال الناس بالباطل، والسرقة التي تفشت في المجتمع، وهي سبب لاضطراب المجتمع ولنفي الأمان عنه، وتجعل المجتمع في حالة قلق واضطراب، وربما أن تؤدي جريمة السرقة إلى جريمة سفك الدماء، لأن السارق حين يأخذ هذا المال، فإنه يأخذ ثمرة جهد هذا الإنسان ربما خلال أعوام عديدة تعب فيها لجمع هذا المال، ولتكن أيدينا أمينة، فإن كان أمينة كان ثمينة، وإلا إذا خانت اليد صارت هينة وتقطع، فاللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا أخرتنا التي إليها معادنا يا رب العالمين.

