
جوانب تغيير حياة الإنسان وتطويرها
بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد إن الإنسان بطبعه لا يرضى أن يدخل على نفسه الضرر، ولا يمكن لعاقل أن يشتري سلعة أو أن يقتني شيئا، ويعلم أنه معطوب فيه ضرر، وإنما وقع العطب والضرر والغش لأن الذي باعه أخفى عليه وأراد به الضر لأنه لو أراد لنفسه الخير، ولو عامل هذا الذي يشتري منه مثلما يحب أن يعامل به لتجنب ذلك، ولهذا حينما تحضر هذه النفوس الكريمة والمشاعر العالية السامية في مثل هذه الأحوال، تقل الأضرار وينتفي النزاع إلى الحد الذي لا يحتاج الناس معه إلى قضاء ولا إلى محاكم، ومن هناك ينبغي علينا أن نتكلم عن التنمية البشرية، وإنه يصعب إعطاء مفهوم التنمية البشرية تعريفا محددا لكن يمكننا تحديد مفهوم تنمية الموارد البشرية.
بأنه عملية واسعة وشاملة ومستمرة ومتعددة الجوانب لتغيير حياة الإنسان وتطويرها إلى الأفضل، وإذا كان الإنسان هو مرتكز التنمية البشرية فإن الإسلام قد سبق كل الرؤى لذلك إذ إن اختيار الإنسان لحمل الرسالة الإسلامية جعله المحور الذي تقوم عليه عملية البناء والتنمية والتطوير، فى المجتمعات الإسلامية، فهو الحامل للأمانة، التي ذكرها الله سبحانه وتعالى بقوله فى سورة الأحزاب ” إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا ” وهذا الحمل للأمانة يقتضى استعدادا لدى الإنسان المسلم لذلك، وهو ما تتجه إليه الرؤية الإسلامية لمفهوم التنمية البشرية، فعلى الرغم من أن مصطلح التنمية لم يرد في المصادر الإسلامية، فإن المفهوم حملته مصطلحات أخرى وردت فى القرآن الكريم والسنة النبوية ومن ذلك التزكية.
في قوله تعالى فى سورة الشمس ” ونفس وما سواها، فألهما فجورها وتقواها، قد أفلح من زكاها، وقد خاب من دساها” وقد قال الطبرى فى قوله تعالى ” قد أفلح من زكاها” أى قد أفلح من زكى نفسه فكثر تطهيرها من الكفر والمعاصي وأصلحها بالصالحات من الأعمال، وقال مجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة ” من زكاها” أى بمعنى من أصلحها، وقال الشيخ السعدى أى طهر نفسه من الذنوب، ونقاها من العيوب، ورقاها بطاعة الله، وعلاها بالعلم النافع والعمل الصالح، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول “اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل والجبن والبخل والهرم وعذاب القبر، اللهم آت نفسى تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها، اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا يستجاب لها ” رواه مسلم.
والتزكية هنا بمعنى النماء والزيادة والصلاح والطهر، وهى المعانى التي تتضمنها التنمية بمفهومها الإسلامي فليس المقصود هو الزيادة فقط، بل المقصود أن تكون هذه الزيادة صالحة ونافعة، وأيضا من مفهومها هو الإعمار، فقد قال تعالى فى سورة هود ” هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها فاستغفرواه ثم توبوا إليه إن ربى قريب مجيب” وقال ابن كثير فى قوله تعالى “استعمركم فيها” أى جعلكم عُمارا تعمرونها وتستغلونها، وقد شرح القرطبى معنى الأعمار بقوله، أى جعلكم عُمارها وسكانها، والاستعمار طلب العمارة، والطلب المطلق من الله تعالى على الوجوب، كما أن “استعمركم فيها” أى خلقكم لعمارتها، ولا شك أن عمارة الأرض تتطلب عنصرا فاعلا ومؤثرا وهو الإنسان، إذ لا يمكن أن تتم عملية الإعمار إلا بإنسان قادر ومهيأ بالإيمان والعلم والفكر والمهارة.
التي تمكنه من القيام بعملية الإعمار، وهذا لب التنمية البشرية التي ترتكز على تطوير الإنسان بجميع مكوناته النفسية والعملية، وأيضا من مفهوم التنميه كما جاء فى القرآن الكريم هو التنشئة، فقال تعالى فى سورة هود ” هو أنشأكم من الأرض ” وقوله تعالى كما جاء فى سورة المؤمنون ” فأنشأنا لكم به جنات من نخيل وأعناب لكم فيها فواكه كثيرة ومنها تأكلون” والتنشئة تأتى بمعنى التربية والزيادة والإيجاد والتنمية، وقال ابن منظور، نشأ ينشأ، وربا وشب، وإرتفع، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بهدي النبي الكريم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

