مقال

إياكم وحياة الديدان والدواب والأنعام


بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله حمدا كثيرا كما أمر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إرغاما لمن جحد وكفر، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، سيد الخلائق والبشر، الشفيع المشفع في المحشر، صلى الله عليه وعلى أصحابه ما اتصلت عين بنظر، وسمعت أذن بخبر، روي عن أبي هريرة قال صلى الله عليه وسلم ” بعثت من خير قرون بني آدم قرنا فقرنا حتى كنت من القرن الذي كنت منه” رواه البخارى، وقال صلى الله عليه وسلم “خير أمتي قرني” وقد حكم النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة لنفر كثير من الصحابة فمنهم أهل بدر، فعن أبي هريرة قال صلى الله عليه وسلم “إن الله تعالى اطلع على أهل بدر، فقال، اعملوا ما شئتم، فقد غفرت لكم” رواه البخاري، ثم أما بعد ذكرت المصادر الإسلامية كما جاء في كتب الفقه الإسلامي الكثير عن خلق العفة، وكما ذكرت كذلك الكثير عن ثمرات العفة.

ومنها وعد الله تبارك وتعالى أهل العفة والحافظين فروجهم بالجنة والخلود فيها قال تعالى ” أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون ” وكما أن من ثمرات العفة هو إستظلال العبد العفيف بظل عرش الرحمان يوم القيامة، وقال النبي صلى الله عليه وسلم ” سبعة يظلهم الله في ظله” ومنهم “رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال إني أخاف الله ” رواه البخاري، وكما أن من ثمرات العفة هو النجاة من الإصابة بالأمراض الخبيثة التي تلاحق أصحاب الشهوات، وكما أن العفة تحفظ المجتمع وتحميه، نعم فإن من عفّ عن المحارم عفّ أهله، واعلموا يرحمكم الله إن لكل نفس كتابا مؤجلا إلى أجل مرسوم ولن تموت نفس حتى تستوفي هذا الأجل المرسوم، فالخوف والهلع والحرص والتخلف، لا يطيل أجلا، والشجاعة والثبات والإقدام والوفاء لا تقصران عمرا،

فلا كان الجبن ولا نامت أعين الجبناء، والأجل المكتوب لا ينقص منه يوم ولا يزيد، وبذلك تستقر حقيقة الأجل في النفس فتترك الاشتغال به ولا تجعله في الحساب، وبذلك تنطلق من عقال الشح والحرص في صبر وطمأنينة وتوكل على الله الذي يملك الآجال وحده، ثم إنه إذا كان العمر مكتوبا، والأجل مرسوما، فلتنظر نفس ما قدمت لغد ولتنظر نفس ماذا تريد، وشتان بين حياة وحياة وشتان بين إهتمام واهتمام، فاعلموا أن الذي يعيش لهذه الأرض وحدها، ويريد ثواب الدنيا وحدها، إنما يحيا حياة الديدان والدواب والأنعام ثم يموت في موعده المضروب بأجله المكتوب، والذي يتطلع إلى الأفق الآخر إنما يحيا حياة الإنسان الذي كرمه الله واستخلفه وأفرده بهذا المكان ثم يموت في موعده المضروب بأجله المكتوب، فيقول تعالي ” وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا”

وهكذا هى الدنيا ونهايتها فإنها لن تدوم لأحد، فلا بد أن نذكر أشكال الموت ومصارعه، والأموات الذين مضوا من قبلنا نتذكر موتهم، ومصارعهم تحت التراب، ونتذكر صورهم في مناصبهم، تذكر فلان الفلاني، وفلان وفلان الذي كان يشغل منصب كذا، ومكان كذا، وله من الأموال كذا وكذا، أين هو الآن؟ وقد أصبح يقولون دار المرحوم فلان، وهؤلاء أولاد المرحوم فلان، ولا ريب أن الصدق خصلة محمودة، وسجية مرغوبة، تألفها الفطر السوية، وتدعو إليها الشرائع السماوية, فهو فضيلة قلما تتوفر في إنسان إلا ورفعته إلى أوج السعادة النفسية, وذروة الكمال الذاتي ومنتهى مراقي الإنسانية، وأن الناس جبلوا على الاقتداء والتأسي، فإذا رأوا شخصا تقيا ورعا صادقا انتهجوا مناهجه واقتفوا أثره، وإن الصادق مطلوبه رضا ربه، وتنفيذ أوامره، وتتبع محابه.

فهو متقلب فيها يسير معها حيث سارت، فبينما هو في صلاة، إذ رأيته في ذكر، ثم في غزو، ثم في حج، ثم في إحسان إلى الخلق، ثم في أمر بالمعروف، ثم في نهي عن منكر، أو في عيادة مريض، أو تشييع جنازة أو نصر مظلوم أو غير ذلك من القرب والطاعات وأعمال البر المختلفة، وإن الصدق سجية كريمة تدل على سلامة الفطرة للمتصف بها، وثقته بنفسه وبُعده عن التكلف والتصنع، وقد اعتبر الإسلام الصدق أساس كل الخير وأن الإسلام يؤكد على الصدق أكبر تأكيد ويحث الناس على ملازمته ولو كان مظنة لإضرار يسير، وأقل الصدق هو استواء السر والعلانية والصادق من صدق في اقواله والصدّيق من صدق في جميع اقواله وأفعاله وأحواله، وإن من درجات الصدق أن لا يتمنى الحياة إلا للحق، ولا يشهد من نفسه إلا أثر النقصان، ولا يلتفت إلى ترفيه الرخص.

فهو لا يحب أن يعيش إلا ليشبع من رضا محبوبه، ويقوم بعبوديته لا لعلة من علل الدنيا وشهواتها ولا يرى نفسه إلا مقصرا قليل الزاد، واعلموا يرحمكم الله إن من درجات الصدق أيضا هو الصدق في معرفة الصدق، وإن العبد إذا صدق الله رضي الله بعمله وحاله ويقينه لأنه قد رضي بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا، فرضي الله به عبدا، ورضي بأقواله وأعماله القائمة على الإخلاص والمتابعة، وفي الصدق طمأنينة، ومنجاة في الدنيا والآخرة، فتحروا الصدق وإن رأيتم أن فيه الهلكة، فإن فيه النجاة، فعليكم بالصدق في كل مجالات الحياة.

sdytm165@gmail.com

About Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *