
بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله رب العالمين المستوجب لصفات المدح والكمال والمستحق للحمد على كل حال، لا يحصي أحد ثناء عليه بل هو سبحانه كما أثنى على نفسه بأكمل الثناء وأحسن المقال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، هدى به الناس من الضلال، ووضع عنهم الآصار والأغلال، فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين أما بعد يقول الشاعر “أيهذا الشاكي وما بك داء، كن جميلا ترى الوجود جميلا، فتمتع بالصّبح ما دمت فيه، لا تخف أن يزول حتى يزولا ” وقائل هذه العبارة هو الشاعر اللبناني إيليا أبو ماضي، وإيليا أبو ماضي هو شاعر لبناني، ولد في قرية المحيدثة في جبل لبنان، وتوفي في مهجره بمدينة نيويورك عام ألف وتسعمائة وسبعة وخمسين ميلادي.
وقد سطع نجمه في الشعر والأدب في العقد الأول والثاني من القرن العشرين، وهي مقتبسة من قصيدته الشهيرة “فلسفة الحياة” وتأتي العبارة في سياق قصيدة “أيهذا الشاكي وما بك داء” التي تدعو إلى التفاؤل ورؤية الجمال في الوجود من خلال تغيير النظرة الداخلية للفرد، وتعدّ القصيدة من أشهر أعمال الشاعر وتدرّس في المناهج التعليمية العربية، والشاعر إيليا أبو ماضي قد إتسمت قصائده بالحكمة والموعظة، وبقيم الإخاء والكرم والجمال، وهاجر بسبب الفقر وناهض الإستبداد وكان لا يخشى في الله لومة لائم، وقيل ” إن الكريم كالربيع تحبه للحسن فيه، وتهش عند لقائه ويغيب عنك فتشتهيه، لا يرتضى أبدا لصاحبه الذي لا يرتضيه، وتراه يبسم هازئا في غمرة الخطب الكريه، وإذا الليالي ساعفته فلا يدلّ ولا يتيه، كالورد ينفح بالشذا حتى أنوف السارقيه”
وذكرت المصادر أنه سطع نجم إيليا أبي ماضي في الشعر والأدب في العقد الأول والثاني من القرن العشرين، وكان دون أدنى شك هو أحد دعامات تأريخ الأدب العربي المعاصر في سياق الرابطة القلمية بالولايات المتحدة الأمريكيّة التي جمعت إذاك العملاقين الشاعر والأديب جبران خليل جبران والقامة ميخائل نعيمة، وإتسمت قصائده بالحكمة والمواعظ، كما نلمس فيها حسّه وقلقه تجاه إصلاح المجتمع وتوطيد أسس التواصل الإجتماعيّ به، وإن صفعته في خده الأيمن بسط إليك خدّه الأيسر لتعيد الكرّة، لذلك تتضمن أشعاره في رومنسيتها الزاهرة ورمزيتها الشفيفة مفاهيم ساميّة خيّرة لقيم المحبة، والإخاء والجمال والتسامح والكرم، وتذكر المصادر أن الكاتب محمد بدوي مصطفى يقول في كتابه تعرفوا يا ابنائي نرى في هذه الأبيات أن مفهوم كلمة “الكريم”
قد تعدّى حدود الكرم بالقروش أو الهبات إلى مرحلة أكبر وأعمق منها هي مرحلة الخلق والقيم المعنوية العليا، ويقول هل ترون في البيت الأخير جمال النغم وسحر الصورة التشكيلية؟ وتخيلوا أنفسكم في بستان مليئ بالأزهار والورود، وكل زهرة تهب لنا شذاها وعطرها الأخاذ، فشاعر لبنان الأستاذ إيليا أبو ماضي يشبّه الكريم بورود هذا البستان تماما، وهل ترون الجمال في هذا البستان يجود دون تردد، لكل فرد حتى لمن دخله من أجل أن يسرق أزهاره ووروده اليانعة الذكية، فالوردة نجدها كريمة لدرجة أنها لا تستثني أحدا، حتى ذاك الذي سرق عطرها وعبقه، ورغم أنه إجتثها وقتلها ظلما وعدوانا، وحتى ولو أنه دخل البستان خلسه وفي غفلة ليقطفها دون أن تراه الأعين، فالوردة أو الزهرة والكريم يلتقيان بل يجتمعان ويتناغمان في هذه الشيمة النبيلة.
وهو العطاء دون مقابل حسيّ، والسخاء دون دافع مادي أو أيا كان، وهذه الأبيات مرافعة إنسانية من الطراز الأول في البذل والعطاء والإخاء ونكران الذات وقد تتجاوز وتفوق درجات اللاحدود، فيجعل شاعرنا إيليا أبو ماضي من السخاء والكرم قضية أخلاقية وإنسانية ينبغي أن نقف إليها، فهو هاهنا قد جعل الكريم موضوعا محوريا ووجوديا رئيس، وكل هذه حكم إنسانية ويوتوبيا فاضلة لزرع المودة والمحبّة بين الناس.

