
كتب : علاء صقر
تحدث السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، في أكاديمية الشرطة عن وعي المواطنين بالعملية الانتخابية في مصر، واري ان الرئيس السيسي كان صائب الاختيار في حديثه عن الانتخابات لتلك النقطة تحديدا، وذلك لأن فهم الوعي الجمعي عن الانتخابات هو المفتاح الرئيسي والركيزة الأساسية في تحليل اي عملية انتخابية.
الوعي الجمعي حول الانتخابات هو النسيج غير المرئي الذي تُحاك عليه العملية الانتخابية الظاهرة، فهم هذا الوعي وتحليله لأي عملية انتخابية بشكل أعمق من مجرد النظر إلى الأرقام والنتائج الرسمية. إنه يخبرنا بفكر المجتمع ومحاكاته مع السياسة، بآماله، وقياس مدى إحباطاته لدي السياسة بمفهومها الشامل.
بالتأكيد. إن مفهوم “الوعي الجمعي حول الانتخابات” هو مفهوم معقد ومتعدد الأبعاد، يشير إلى المعتقدات المشتركة، والمشاعر، والتصورات، والتوقعات التي يحملها للمجتمع المصري تجاه العملية الانتخابية ككل.
هذا الوعي ليس مجرد مجموع آراء الأفراد، بل هو كيان متشكل من خلال التفاعل الاجتماعي، والإعلام، والخطاب العام، والتجارب التاريخية المشتركة.
يمكن تحليل مفهوم وعي الانتخابات إلى عدة عناصر رئيسية:
- أركان الوعي الجمعي حول الانتخابات
· الثقة في النزاهة: هل يعتقد الناس أن الانتخابات حرة ونزيهة؟ هذا يشمل الثقة في:
· الجهة المنظمة (لجنة الانتخابات).
· سلامة العملية (التسجيل، التصويت، الفرز، إعلان النتائج).
· نزاهة المرشحين وغياب التزوير أو التلاعب.
· الإحساس بالفعالية (الفاعلية السياسية): هل يعتقد الناخب أن صوته مهم ويحدث فرقًا؟ أم أنه يعتقد أن النتيجة محسومة مسبقًا وأن صوته لا قيمة له (“عبثية التصويت”)؟
· فهم الغاية من الانتخابات: كيف يرى الناس دور الانتخابات؟ هل هي:
· آلية حقيقية لتداول السلطة واختيار ممثلي الشعب؟
· طقس شكلي لتأكيد شرعية نظام قائم؟
· مناسبة للضغط على السلطة أو التعبير عن الاحتجاج؟
· التصور حول المرشحين والأحزاب: ما هي الصورة النمطية السائدة عن الطبقة السياسية؟ هل ينظر إليهم على أنهم:
· مخلصون في خدمة للوطن؟
· فاسدون ويبحثون عن مصالح شخصية؟
· أداة لتمثيل فئة أو فصيل معين (طائفية، عائلية، إقليمية)؟
· الدور الاجتماعي للانتخابات: كيف ترتبط الانتخابات بالهوية الاجتماعية؟ هل يُنظر للتصويت على أنه:
· واجب وطني؟
· حق فردي؟
· التزام يسلك تجاه معين (العائلة، العشيرة، الطائفة)؟
- العوامل التي تشكل الوعي الجمعي
· التجربة التاريخية: تاريخ البلاد مع الديمقراطية والانتخابات. الانتخابات التي شابها تزوير في الماضي تترك أثرًا عميقًا من الشك.
· السياق السياسي الراهن: مستوى الحريات، وقمع المعارضة، وهيمنة حزب واحد، كلها عوامل تشكل تصورات العقل الجمعي.
· الإعلام والخطاب العام: كيف تقدم وسائل الإعلام (الرسمية والمستقلة) العملية الانتخابية؟ هل يتم التركيز على التنافس والنزاهة أم على الشكليات فقط؟
· التنشئة الاجتماعية والثقافة السياسية: القيم التي يتربى عليها الأفراد (كالثقة، والمواطنة، والطاعة) تلعب دورًا كبيرًا.
· الاقتصاد: غالبًا ما ينعكس الوضع الاقتصادي على نظرة الناس للسياسيين والانتخابات. ففي أوقات الأزمات، قد تزداد السخرية أو الغضب.
- تجليات الوعي الجمعي (كيف يظهر؟)
· نسبة المشاركة: ارتفاع أو انخفاض الإقبال هو مؤشر واضح على هذا الوعي، اما المقاطعة فتعني تعبير عن فقدان الثقة، بينما الإقبال الكبير قد يعكس الأمل أو الإلزام الاجتماعي.
· طبيعة النقاشات العامة: هل يحاور الناس حول البرامج والسياسات؟ أم أن النقاش يدور حول الشخصيات والمصالح الضيقة والشائعات؟
· لغة الخطاب السائدة: استخدام مصطلحات مثل “مسرحية”، “ديكور”، “لا فائدة”، “مقاطعة” مقابل “واجب”، “تغيير”، “أمل”، يعكس حالة الوعي الجمعي.
· الفن والسخرية: الكاريكاتير، والايماءات على الإنترنت، والأغاني الساخرة هي أدوات قوية تعكس وتشكل الوعي الجمعي في نفس الوقت.
أمثلة تطبيقية على حالات مختلفة للوعي الجمعي:
· وعي واثق (مثالي): كما في بعض الديمقراطيات الراسخة، حيث هناك ثقة عالية في المؤسسات، وإقبال كبير نابع من قناعة بجدوى المشاركة، ونقاش حول البرامج.
· وعي مشكك أو متشائم: كما في العديد من الدول ذات الأنظمة الهشة، حيث يسود شعور المواطنين بأن الانتخابات “لعبة” مُحكمة، وأن الصوت لا يؤثر، مما يؤدي إما إلى المقاطعة أو المشاركة بدوافع أخرى (كالمال أو العلاقات الاجتماعية أو المصالح الشخصية).
· وعي احتجاجي: كما في حالات استخدام الانتخابات كوسيلة للتعبير عن رفض النظام الحاكم، عبر التصويت لمعارضة رمزية أو مقاطعة الانتخابات بشكل علني.
· وعي تقليدي جماعي: كما في المجتمعات التي تهيمن فيها الروابط العائلية أو الطائفية، حيث يكون التصويت انتماءً لفصيل معين وليس اختيارًا نابع من الحرية الفردية.

