مقال

يقيني بربي يرضيني

بقلم سهام محمدراضى

كانت تجلسان في ركنٍ هادئ من كافيه صغير، تطل شُرفته على شارعٍ مزدحم بالحياة.
ضوء خافت، وهمسات موسيقى بعيدة، وعبق قهوة دافئة جمع بين روحين لم تفرقهما الأيام.
كانت نَسمة، صديقة الدراسة، تحدّق في وجه سمر طويلًا، كأنها تكتشفها من جديد بعد سنين.

قالت بصوتٍ تغلبه الدهشة:
“من أنتِ أيتها المرأة؟ كيف بقيتِ صامدة رغم كل ما مررتِ به؟
رأيتِ الألم، والخذلان، والظلم… ومع ذلك وجهك ما زال فيه نور وهدوء.
هل أنتِ من حديد؟ أم أن فيكِ سرًّا لا نعرفه؟”

ابتسمت سمر بخفة، وضبطت حجابها وهي تقول بهدوءٍ عميق:
“لا يا نَسمة… مش من حديد ولا من حجر.
أنا بس إنسانة عفوية، بفطرتي اللي ربنا خلقني عليها.
تعرفي السر في إيه؟
في الرضا… في القناعة…
وفي يقيني إن ربنا ما بيكتبش حاجة عبث.
كل وجع مرّ بيا، كان جزء من تدبير الله سبحانه.”

ظلت نَسمة تنظر إليها بإعجابٍ صادق، بينما أكملت سمر كلامها بعينين تلمعان بصدقٍ وإيمان:
“الحمد لله يا حبيبتي، دايمًا راضية بالقليل.
ما ببصّش لحياة حد، ولا بقارن نفسي بحد،
لأني مؤمنة إن ربنا مدي كل واحد منّا حقّه،
أربعة وعشرين قيراط،
موزّعين بين صحة، ومال، وذرية، وراحة بال.
محدش بياخد الكل، ومحدش بيتحرم من الكل.
العدل دايم حتى لو إحنا مش شايفينه في وقته.”

سكتت لحظة، وابتسمت بخفة، ثم قالت:
“يقيني بربي هو اللي بيرضّيني…
يمكن تعبت كتير، لكن عمري ما فقدت الأمل.
كل مرة كنت أقع، كنت أرجع أقف بإيدي وربنا سندي.”

أمسكت نَسمة بيدها برفق، وقالت والدمعة تلمع في عينيها:
“تعرفي يا سمر… يمكن كلامك أبكاني، بس ريّح قلبي.
إنتِ مش بس صديقة دراسة…
إنتِ من أغلى الناس اللي علموني معنى الصبر الحقيقي.”

ابتسمت سمر، وقالت بصوتٍ خافتٍ كأنه دعاء:
“طالما فينا اليقين، مش هنخاف من حاجة…
وربنا عمره ما بيخذل اللي قلبه صادق.”

وسكت الاثنان، لكن بين الصمت كانت الدعوة نفسها تُردد في قلبيهما…
يقيني بربي يرضيني.

sdytm165@gmail.com

About Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *