مقال

رسول الله يستعيد المواقف والذكريات


بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله رب العالمين اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله واصحابه أجمعين أما بعد ذكرت المصادر الكثير والكثير عن الوطن وحب الوطن وحق الوطن، ويعتبر الوطن من المقدسات في ضمير جميع الأحياء، ومن يتنازل عن حقه في حب الوطن يكون كمن يتنازل عن نظر عينيه، لأن الوطن هو من يصنع لأبنائه وجودهم وهو الذي يجعل للإنسان قيمة، فحب الوطن ليس مجرد كلمات تقال أو شعارات ترفع، ولا هو حطابات رنانة تشعل الروح الحماسية ويهتف بها الشعب، بل هو فعل قبل القول وترجمة على أرض الواقع، فحب الوطن يكون بالدفاع عنه لأخر رمق، والوقوف إلى جانب قضاياه في الحرب والسلم، ودحر كل غاصب يحاول أن يعتدي عليه.

وقال الغزالي والبشر يألفون أرضهم على ما بها، ولو كانت قفرا مستوحشا، وحب الوطن غريزة متأصلة في النفوس، تجعل الإنسان يستريح إلى البقاء فيه، ويحن إليه إذا غاب عنه ويدافع عنه إذا هوجم، ويغضب له إذا انتقص ” وهذا الحب للوطن عبر عنه النبي المصطفي صلى الله عليه وسلم في بداية بعثته وحين هجرته، ففي بداية نزول الوحي عليه صلى الله عليه وسلم بغار حراء ذهب مع زوجته خديجة رضي الله عنها إلى ورقة بن نوفل، وقصّ عليه ما حدث معه من أمر نزول جبريل عليه، وورقة يفسر له ذلك حتى قال ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” أو مخرجيّ هم” قال نعم، لم يأتي رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا ” رواه البخاري، وجاء في تفسير قوله صلى الله عليه وسلم.

أو مخرجي هم؟ هو إستفهام إنكاري على وجه التفجع والتألم، كأنه إستبعد صلى الله عليه وسلم أن يخرجوه من حرم الله وجوار بيته، وبلدة أبيه إسماعيل من غير سبب، فإنه صلى الله عليه وسلم لم يكن منه فيما مضى ولا فيما سيأتي سبب يقتضي إخراجا، بل كانت منه المحاسن الظاهرات والكرامات المقتضية لإكرامه وإنزاله بأعلى الدرجات ” وفي ليلة هجرته صلوات الله وسلامه عليه إلى المدينة، وعلى مشارف مكة وقف يودع أرضها وبيوتها، يستعيد المواقف والذكريات ولو خالط هذه الذكريات الألم مخاطبا لها بكلمات تكشف عن حب عميق، وتعلق كبير بديار الأهل والأصحاب، وموطن الصبا وبلوغ الشباب، وعلى أرضها بيت الله الحرام، قائلا  والله إني أعلم أنك خير أرض الله وأحبها إلى الله، ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت وفي رواية أخرى

ما أطيبك من بلد، وما أحبّك إليّ، ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك ” رواه الترمذي، وفي ذلك دلالة واضحة على حب النبي المصطفي صلى الله عليه وسلم الشديد لبلده ووطنه مكة، كما تدل على شدة حزنه لمفارقته له، إلا أنه اضطر لذلك وقال الإمام الذهبي معددا طائفة من محبوبات النبي المصطفي صلى الله عليه وسلم ” وكان يحب عائشة، ويحب أباها، ويحب أسامة، ويحب سبطيه، ويحب الحلواء والعسل، ويحب جبل أحُد، ويحب وطنه ” لقد كان النبي المصطفي صلى الله عليه وسلم يحب وطنه، ويكره الخروج منه، وما خرج منه إلا بعد أن لاقى من أهله المشركين أصناف العذاب والأذى، فصبر لعله يجد من قومه إستجابة لدينه ودعوته، لكنهم أبوا وظلوا على عنادهم وإيذائهم له ولأصحابه، فما كان منه إلا أن خرج حماية لدينه ودعوته وأصحابه، فدين الله تعالي أغلى وأعلى من الوطن والأهل والأولاد.

osama elhaowary

About Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *