
بقلم فاديه القاضى
تخيل أنك تستيقظ كل صباح، لا لترى وجهك في المرآة، بل لترى عدوًّا يترصّدك. أنفك يبدو أكبر، بشرتك مليئة بالعيوب، جسدك غير متناسق، وكل من حولك – في وهمك – يلاحظون هذه “الفضيحة”. هذا ليس مشهدًا من فيلم رعب، بل هو الواقع اليومي لملايين الشباب والفتيات الذين يسقطون في فخ هوس الديسمورفيا.
ما هو هوس الديسمورفيا؟
الديسمورفيا أو اضطراب تشوّه صورة الجسد هو مرض نفسي خطير يجعل صاحبه يضخّم أو يتخيل عيوبًا في مظهره. قد تكون العيوب وهمية بالكامل، أو بسيطة لا يراها أحد سواه. لكن عقله يصرّ على مطاردته بها بلا هوادة. والنتيجة:
انشغال يومي مرهق بالمظهر.
فقدان الثقة بالنفس.
عجز عن تكوين علاقات صحية.
في بعض الحالات، رغبة في الاختفاء أو الانتحار.
كيف صارت السوشيال ميديا وقودًا للهوس؟
قبل عقدين من الزمن، كانت المرآة هي الخصم الوحيد. اليوم، السوشيال ميديا صنعت آلاف المرايا المزيفة التي تلاحقك في كل مكان:
الفلاتر والفوتوشوب جعلت الوجوه “مثالية” حد الكذب.
المؤثرون والمشاهير يبيعون الوهم على أنه واقع.
المقارنات المستمرة تجعل أي شاب أو فتاة يشعرون أنهم دائمًا “ناقصون”.
إحصائية من الجمعية الأمريكية للطب النفسي تؤكد أن واحدًا من كل 50 شخص يعاني من الديسمورفيا. والأدهى أن النسبة الأعلى اليوم بين المراهقين والشباب في العشرينات – أي الفئة التي تتشكل هويتها وتحتاج ثقة، لا هوسًا.
لماذا يجب أن نخاف؟
الديسمورفيا ليس مجرد قلق عابر على المظهر. إنه مرض يدمّر من الداخل ببطء:
يدفع البعض إلى إدمان عمليات التجميل، ومع كل عملية تتسع الهوّة أكثر.
يقود آخرين إلى اضطرابات الأكل القاسية: من حرمان جسدي مميت إلى نهم مرضي.
يصنع عزلة خانقة، حيث يتهرّب المصاب من الصور، اللقاءات الاجتماعية، وحتى ضوء النهار.
وفي أسوأ الحالات، ينتهي الأمر بـ أفكار انتحارية، لأن الشخص يقتنع أن التخلص من نفسه أسهل من التخلص من “عيوبه”.
الخديعة الكبرى للشباب
الخطر الحقيقي أن الهوس يتسلل بلا وعي. الشاب يتابع مؤثرًا على إنستغرام فيقارن نفسه. الفتاة ترى “الموديل” في إعلان فتشعر أن شكلها فضيحة. وهكذا يبدأ السقوط: خطوة صغيرة تتحول إلى هوس يومي، ثم إلى مرض صامت يلتهم الروح.
خطوات للنجاة من الفخ
لكن الخروج ممكن. الهوس ليس قدَرًا أبديًا، بل دائرة يمكن كسرها. وهذه بعض الخطوات العملية:
1. إدراك الزيف: ذكّر نفسك دائمًا أن الصور على السوشيال ميديا ليست حقيقة، بل منتجات رقمية مصممة بعناية.
2. التركيز على وظيفة الجسد لا شكله: اسأل نفسك: “هل جسدي يمنحني القوة، الصحة، والحرية؟” بدلاً من “هل أنفي مثالي؟”.
3. إعادة برمجة العقل: مارس عادة كتابة 3 أشياء إيجابية عن نفسك يوميًا. قد تبدو تافهة في البداية، لكنها تخلق صوتًا داخليًا جديدًا.
4. تنظيف الشاشة: ألغ متابعة الحسابات السامة التي تعزز المقارنات، واستبدلها بمحتوى ملهم وصحي.
5. طلب المساعدة: العلاج السلوكي المعرفي (CBT) أثبت فعاليته الكبيرة في علاج الديسمورفيا. الاعتراف بالحاجة للمساعدة ليس ضعفًا بل شجاعة.
6. المجتمع والدعم: الأصدقاء والعائلة يجب أن يتوقفوا عن تعليقات السخرية على المظهر، وأن يتحولوا إلى شبكة دعم حقيقية.
: جرس إنذار
هوس الديسمورفيا ليس “هوس جماليًا” عابرًا، بل مرض يلتهم ثقة جيل كامل. إذا تركناه يتمدد، سيخلق شبابًا مشوّهين نفسيًا حتى لو بدوا “جميلين” خارجيًا. الرسالة لكل شاب وفتاة: جسدك ليس عدوك، وصورتك ليست عيبًا. العيب الحقيقي هو أن تستسلم لوهم يسرق حياتك يومًا بعد يوم.