
بقلم د / عُـلا عبـد الهـادي – أخصائي علم النفـس التربـوي والإكلينيكـي
يُعد اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباهADHD من أكثر الاضطرابات العصبية النمائية شيوعًا، إلا أن كثيرًا من الناس يخلطون بين المصطلحين “فرط الحركة” و”تشتت الانتباه”، معتقدين أنهما شيء واحد، بينما في الحقيقة هما وجهان لاضطراب واحد، لكن تختلف مظاهرهما من شخص لآخر ومن مرحلة عمرية لأخرى.
إذ يشير فرط الحركة إلى النشاط الزائد والحركة المستمرة التي يصعب ضبطها، وغالبًا ما تظهر بوضوح عند الأطفال الذين لا يستطيعون الجلوس لفترة طويلة أو يبدون اندفاعية في تصرفاتهم، أما تشتت الانتباه فيتعلق بصعوبة التركيز والانتباه لفترات طويلة، والنسيان المتكرر، وصعوبة إتمام المهام حتى وإن كانت بسيطة. بمعنى آخر، الطفل أو البالغ المصاب بفرط الحركة “يتحرك كثيرًا”، أما المصاب بتشتت الانتباه فهو “يفكر في أشياء كثيرة في وقت واحد”، دون تركيز فعلي على مهمة واحدة.
وتتفاوت أعراض ذلك الاضطراب والذي نصفه باضطراب العصر بين كل من الأطفال والبالغين فنجد عند الأطفال، يظهر فرط الحركة في صورة نشاط مفرط لا يتناسب مع الموقف كأن لا يستطيع الطفل الجلوس أثناء الحصص الدراسية، يتحدث كثيرًا دون توقف، يقاطع الآخرين أثناء الكلام، أو يميل إلى الجري أو التسلق في أوقات غير مناسبة. بينما يظهرتشتت الانتباه في شكل نسيان الأدوات المدرسية باستمرار، صعوبة متابعة التعليمات، ضعف في التنظيم والتركيز، والميل إلى الشرود والسرحان أثناء الدروس.
بينما قد لا يظهر فرط الحركة لدى البالغين بنفس الشكل الصارخ كما في الطفولة، لكنه يستمر بشكل مختلف، مثل الشعور الدائم بعدم الراحة أو الملل بسرعة، الميل لتغيير الوظائف أو الهوايات باستمرار، والتسرع في اتخاذ القرارات أو المقاطعة أثناء الحديث. بينما يتجلى تشتت الانتباه لدى البالغين في صعوبة الالتزام بالمواعيد، فقدان التركيز أثناء الاجتماعات أو المحاضرات، نسيان المهام اليومية، والشعور بالإرهاق الذهني من التفكير الزائد دون إنجاز فعلي.
وتشير الدراسات إلى أن اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه مرتبط بخلل في مناطق الدماغ المسؤولة عن التنظيم والانتباه، خصوصًا الفص الجبهي، مع تأثيرات في مستويات بعض النواقل العصبية مثل الدوبامين والنورأدرينالين، وقد تلعب العوامل الوراثية دورًا كبيرًا في انتقال الاضطراب بين أفراد العائلة.
ويُشخّص الاضطراب عادة من قِبَل اختصاصي نفسي أو طبيب أعصاب بعد تقييم السلوك والنمط الحياتي للفرد. ويعتمد العلاج على خطة شاملة تشمل: العلاج السلوكي المعرفيCBT لتحسين التركيز وضبط الاندفاعية، العلاج الدوائي في بعض الحالات باستخدام منشطات الجهاز العصبي المركزي تحت إشراف الطبيب، والدعم الأسري والتربوي، خاصة في حالة الأطفال، لتعديل البيئة المحيطة وتحفيز السلوك الإيجابي.
ومن المهم أن نتوقف عن وصم المصابين بهذا الاضطراب بأنهم “مهملون” أو “كسالى”، فالكثير منهم يمتلكون قدرات إبداعية عالية إذا تم توجيه طاقتهم بالشكل الصحيح. يحتاج الطفل أو البالغ المصاب إلى تفهم لا توبيخ، وإلى دعم من الأسرة والمجتمع بدلًا من الاتهام أو الإحباط.
وفي النهاية، الفرق بين فرط الحركة وتشتت الانتباه ليس في الاسم فقط، بل في طبيعة التعبير عن الاضطراب. الوعي بالفروق بينهما يساعد على التشخيص المبكر والعلاج الفعّال، ويفتح الباب أمام الأطفال والبالغين المصابين ليعيشوا حياة أكثر توازنًا وإنتاجية.

