مقال

منع الشارع الهدية سدا للذريعة


بقلم / محمـــد الدكـــروري
إن الحمد لله، نحمده ونستغفره ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، بعثه الله رحمة للعالمين هاديا ومبشرا ونذيرا، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة فجزاه الله خير ما جزى نبيا من أنبيائه، فصلوات ربي وتسليماته عليه وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، وعلى صحابته وآل بيته، وعلى من أحبهم إلى يوم الدين أما بعد ذكرت المصادر الإسلامية الكثير عن الرشوة وعن أضرارها علي الفرد والمجتمع، ومن الرشوة ما يقوم به بعض من بأيديهم توظيف صغار الموظفين كالعمال والمستخدمين ونحوهم، فيتم توظيفهم بشرط أن يكون الراتب الأول أو أكثر للمسؤول، ومن الرشوة حينما يقوم المسؤول عن العطاء السنوي.

الذي يدفع من بيت المال بتسجيل البعض، ويشترط أن يكون العطاء له سنة أو أكثر، ومن الرشوة هو ما يدفع للمسؤول مقابل التوظيف، أو النقل من مكان إلى مكان، أو تعجيل ذلك، ومن الرشوة هو ما يدفع مقابل مخالفة نظام وضعه أهل الإختصاص في معرفة مصالح الأمة، أو شرط فيه مصلحة، وفي تركه مفسدة، ومن الرشوة هو صرف شهادات الخدمة والدورات لغير مستحقيها مقابل المال، ومن الرشوة هو إفشاء أسئلة الإختبارات، وإعطاء الطلاب والطالبات درجات لا يستحقونها مقابل المال، ومن الرشوة هو هدايا العمال، وهم الموظفون الذين يأخذون مرتبا من الدولة، ويتولون مناصب وولايات، سواء كانت صغيرة أم كبيرة، فما يهدى لهم بسبب هذه الأعمال، ولو لم يكونوا بهذا العمل لم يهدى إليهم، فهو غلول يحرم عليهم قبوله، ولو قبلوه وجب عليهم أن يدخلوه في بيت مال المسلمين.

فعن بريدة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ” من إستعملناه على عمل فرزقناه رزقا، فما أخذ بعد ذلك فهو غلول” رواه أبو داود، فإذا كان العمل هو الداعي إلى عطيته، فالمقصود بالعطية إنما هو عمله، إما ليكرمهم فيه، أو ليخفف عنهم، أو يقدمهم على غيرهم، أو يعطيهم ما لا يستحقون، أو نحو ذلك، فمنع الشارع الهدية سدا للذريعة لأنها قد تكون رشوة بصورة هدية، فعن فرات بن مسلم قال اشتهى عمر بن عبدالعزيز التفاح، فلم يجد في بيته شيئا يشتري به، فركبنا معه، فتلقاه غلمان الدير بأطباق تفاح، فتناول واحدة فشمها ثم ردّ الأطباق، فقلت له في ذلك فقال لا حاجة لي فيه، فقلت ألم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر يقبلون الهدية؟ فقال إنها لأولئك هدية، وهي للعمال بعدهم رشوة، ومما يتعيّن علينا جميعا في أنفسنا ألا نتعاطى هذا السحت أخذا أو إعطاء.

وأن نقوم بمناصحة من سقط في هذا المستنقع الآسن، فإن لم تجد المناصحة، ولم يكفّ الضال عن غيّه، يتم رفع أمره لمن له ولاية عليه، ومن الواجب على العلماء وطلاب العلم أن يبينوا للناس الطريق الشرعي، وما يجوز أخذه وما لا يجوز مِن بيت المال ومن غيره، ويرغّبوا الناس في الخير، ويرهبوهم من الشر، ومن تمام توبة من وقع في الرشوة وتاب منها سواء كان راشيا أم مرتشيا أم واسطة من تمام توبته أن يقوم بإبلاغ الجهات المسؤولة عمن له دور في أخذ الرشوة، إذا كان لا زال مصرا على أخذه الرشوة، ولم يتب إلى ربه تعالي، فاللهم إني أسألك توفيق أهل الهدى وأعمال أهل اليقين ومناصحة أهل التوبة وعزم أهل الصبر وجد أهل الخشية وطلبة أهل الرغبة وتعبد أهل الورع وعرفان أهل العلم.

sdytm165@gmail.com

About Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *