أخبار الصحة

كسر وهم الجسد.. بين العلم والوهم النفسي

بقلم :هالة عكاشة

في عالمٍ يتسابق فيه الناس وراء أجسادٍ مثالية، تكشف الأبحاث النفسية الحديثة عن وجه آخر للحقيقة: الجسد ليس مجرد شكل أو مظهر خارجي، بل انعكاس مباشر لتجاربنا النفسية العميقة.

منظمة الصحة العالمية تشير إلى أن أكثر من 38% من النساء و24% من الرجال حول العالم غير راضين عن أجسادهم، وهو ما يرتبط باضطرابات الأكل والاكتئاب والقلق.

يقول البروفيسور باسل فان دير كولك، مؤلف كتاب The Body Keeps the Score:

“الجسد يحتفظ بكل صدمة وكل تجربة مررنا بها، حتى لو حاول العقل إنكارها.”

بين الطب النفسي والعلم العصبي

الأطباء النفسيون وعلماء الأعصاب يؤكدون أن الدماغ والجسد وحدة واحدة. الضغوط النفسية لا تبقى في الذهن فقط، بل تتحول إلى توترات عضلية، اضطرابات في النوم، وأحيانًا أمراض مزمنة.
ففي دراسة نُشرت في Journal of Psychosomatic Research، وُجد أن الأشخاص الذين يعانون من صدمات نفسية كانوا أكثر عرضة للإصابة بأمراض القلب بنسبة 55% مقارنة بغيرهم.

أصوات من الواقع

“كنت أعتقد أن المشكلة في وزني”، تقول طالبة جامعية بالقاهرة. “لكن حين بدأت جلسات علاج نفسي، اكتشفت أن الأمر أعمق بكثير… كنت أُحاكم نفسي داخليًا قبل أن يُحاكمني الآخرون.”

وعلى الجانب الآخر، يوضح استشاري نفسي بالقاهرة أن جلساته تكشف يوميًا عن نفس الخيط:
“المرضى يأتون يشكون من أعراض جسدية: صداع، أرق، آلام مستمرة… لكن خلفها دائمًا قصة نفسية غير معالجة.”

وهم المثالية الجسدية

وسائل التواصل الاجتماعي لعبت دورًا أساسيًا في تضخيم صورة “الجسد المثالي”. ملايين الصور المعدلة والمرشحات خلقت معايير وهمية، جعلت كثيرين يعيشون في صراع لا ينتهي مع المرايا.
لكن الدراسات تُظهر أن الرضا عن الجسد لا يأتي من تغييره بقدر ما يأتي من المصالحة مع الذات.

نحو مصالحة داخلية

الخبراء يشددون أن الطريق إلى التحرر يبدأ من فهم العلاقة بين النفس والجسد. اليوغا، التأمل، والعلاج النفسي كلها أدوات تساهم في إعادة الوصل بين الداخل والخارج.

يختم فان دير كولك قوله:

“التحرر الحقيقي لا يعني إصلاح الجسد، بل تحرير الذاكرة العالقة في داخله.”

فى النهاية

كسر وهم الجسد ليس ترفًا فكريًا، بل ضرورة صحية ونفسية. الأبحاث والقصص الواقعية تؤكد أن التصالح مع الذات هو الخطوة الأولى لبناء مجتمع أكثر وعيًا، حيث يُنظر للجسد باعتباره شريكًا في الحياة لا خصمًا يجب تغييره.

sdytm165@gmail.com

About Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *