مقال

عندما يجلب الجمال الشر لصاحبه


بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله رب العالمين حمد الحامدين الشاكرين والصلاة والسلام على البشير النذير المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد اعلموا أن هناك أنواع للجمال ومنها هو الجمال الضار، حيث أن هناك نوع من الجمال لا يعود على صاحبه بالخير، بل ربما يسبب له ولغيره شرا عظيما، فقد يدفع الجمال صاحبه أو صاحبته الى نوع من العجب والترفع والكبرياء، ولو نظرت حولك وجدت من هذا النوع كثيرا أو قد تكون أنت منهم، وقد يجلب الجمال الشر الى صاحبه، اذ يجعله مطمعا للمتربصين به، ونرى مثالا لذلك الطاووس، حيث ريشه الأخضر المذهب بنقوشه الرائعة، جعله مطمع الصائدين، وفى الوقت الذى يختال فيه ناشرا ذيله الجميل فى ضوء الشمس، يكون قد وضع حجابا كبيرا على عينه، فلا يرى المتربصين به، وقد ينصرف المرء للعناية بجمال منظره.

حتى يصير عبدا لهذا الجمال، ويعيش للعناية به والحفاظ عليه، ويحاول جذب الإنتباه ولفت الأنظار اليه، ويحاول إظهار جماله بين الناس، ولكن إن غاب الناس عنه، إختفى جماله أمام نفسه، وقد يكون الجمال ضارا حين يكون إستغلاليا مثل الزهور الصيادة، وهذه الزهور الخداعة والتى تفرز سائلا سكريا يجتذب إليها الحشرات، التى لا تكاد تستمتع بهذا الطعام، حتى تكون قد نامت بفعل هذا السائل الحلو والمخدر فى ذات الوقت، حينئذ تطبق عليها أوراق الزهرة وتمتص منها رحيق الحياة، وكما أن هناك الجمال الناقص، ففى متحف اللوفر بباريس، يوجد تمثال رائع وهو تمثال أفروديت، وهي ربة الجمال عند الاغريق، وهو تمثال جميل رقيق، أراد صانعه براكسيتيل أن يجسد فيه جمال الخلقة وروعة التكوين، ولكن هذا التمثال عثر عليه أحد الرهبان فى جزيرة ميلوس.

وكان لأسف الشديد محطم الذراعين، وكثيرا ما يكون الجمال ناقصا، فقد يكون الإنسان جميلا فى شكله لكنه عاجزا، ضعيف البنية، أو مكدود الجسد، رغم جماله الظاهرى، أو يكون جميل لكنه ثقيل الظل وسمج الأخلاق، أو قد يكون جميلا لكنه خائر القوة، أو محطم الإرادة وهابط العزيمة، قليل النخوة والمروءة فيكون بذلك جماله ناقص، وكما أن هناك الجمال الميت وهو جمال التماثيل الرائعة، فهى حقا غاية فى العظمة والروعة والجمال، لكنها ميتة وبلا روح، وقيل أن مايكل أنجلو وقف أمام أحد تماثيله يتحدث اليه، فقد كان التمثال آيه فى الدقة والكمال ولكنه لم ينطق، فصفعه مايكل صارخا تكلم أيها التمثال، وإصطدمت يد الفنان بالحجر البارد، لقد نسى مايكل أنجلو أن الجمال الذى أبدعه فى كتلة الحجر العظيمة كان جمالا بلا روح، ومن الناس من لهم جمالا ظاهريا.

لكنهم كالصخر لا قلبا لهم ولا روحا، وإن جمالهم أبكم بلا لسان ميت بلا إحساس، ولكن الجمال الحقيقى فهو ذلك الجمال الذى ينبع من داخل النفس ويشع من الوجه، ولا يستطيع الجسد أن يحتويه، إذ هو يفيض ويتألق خارج جدران النفس، فالجمال الحقيقى هو هذا الجوهرالخالد، العلامة التى يرسمها الله فى نفوس عارفيه، فما أعظم الفارق بين أغلى الزهور الصناعية، وأصغر زهرة حقيقية فالزهرة الحقيقية التى تمتد أصولها فى طين الأرض لها من الحياة والنضرة ما يجعلها أوفر جمالا من الورود الصناعية، فجوهر الجمال أن يكون جمالا حيا ممتلئا من رحيق الحياة وتسرى فى كيانه تلك الحرارة التى تربطه بالله تعالي، فلقد قتلت الخطية الإنسان حين قطعت علاقته بالله تعالي وجعلته كتلة باردة من حجر أصم، لا دفء ولا حياة فيه، فأصبح جماله مشوها وناقصا.

وميتا بلا حياة، ولكى يسترد الإنسان جماله فهو يحتاج الى قلب جديد، وهذا التجديد عملية إلهية يصنعها الله تعالي فى قلب التائب حين يخلقه من جديد ويهبه روحا جديدا، مثل نيقوديموس، حيث جاء في الكتاب المقدس ” اصرخ لله تائبا ليعطيك قلبا جديدا، وتكون ممتلئ من الحياة”

osama elhaowary

About Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *