
بقلم/نشأت البسيوني
يمر الانسان بتجارب كثيرة تجعله يشعر بان قلبه محاصر بان الحياة غير عادلة وان الناس لا يفهمون عمق المعاناة التي يختبرها داخله الجروح ليست دائما ظاهرة وليست كل المآسي تتحدث بصوت عال بعض الوجع يعيش صامت في الصدور ويتراكم في الزوايا ويترك اثرا عميقا دون ان يراه احد في البداية يحاول الانسان التعبير عن نفسه يتحدث يشرح يبرر يشارك الآخرين شعوره ويبحث عن
تعاطفهم لكنه يكتشف مع الوقت ان الكلمات غالبا لا تكفي وان الاستماع لا يعني الفهم وان البعض لا يريد سوى الظهور بمظهر الداعم دون ادراك حقيقتك مع مرور الوقت يبدأ الانسان في الصمت لا هروبا ولا ضعف بل لحماية نفسه وللاحتفاظ بما تبقى من قوته الداخلية يتعلم ان بعض الجروح تحتاج الصبر اكثر من الكلام وان بعض التجارب تحتاج المرور بها وحدك حتى تفهمها تماما الجروح
التي تتحدث بصمت تمنح الانسان فرصة لاعادة تقييم حياته اعادة ترتيب اولوياته ومراجعة علاقاته ان يعرف من يستحق قربه ومن يستحق صمته وان يدرك ان بعض الالم جزء من نموه الداخلي وان تحملها بصمت ليس استسلاما بل قوة ناعمة في الصمت يكتشف الانسان انه يستطيع ان يكون قويا حتى بدون ان يثبت ذلك لاحد ويستطيع ان يكون صادقا مع نفسه حتى لو تجاهله العالم ويكتشف
ان الحياة ليست دائما عادلة وان بعض الاشخاص لا يعرفون معنى الامتنان ولا يرون عمق العطاء ومع الوقت يصبح الانسان اكثر حذرا في اعطاء قلبه اكثر انتباها في اختيار من يقترب منه اكثر وعيا بالمساحات التي يتركها للآخرين اكثر قدرة على التحمل بدون ان يفقد روحه فيهكذا تتحول الجروح الصامتة الى معلم داخلي يرشده ويقويه ويجعله اكثر حكمة وهدوءا ويكتشف الانسان ايضا ان
الجروح الصامتة تعلمه الصبر والمرونة وتمنحه القدرة على الموازنة بين العطاء والحماية وانها تمنحه فرصة للنمو الداخلي دون ضجيج او انظار ولا تحتاج لتصديق احد لان الحقيقة الاهم هي ما يشعر به قلبه وروحه وحين ينظر الانسان الى الوراء يبتسم بهدوء يعلم انه لم يكن ضعيفا بل عاش التجربة بصدق وان صمته لم يكن فراغا بل مساحة للتأمل والتعلم وان كل جرح صامت ترك اثرا جعله اقرب
الى ذاته اكثر استعدادا لمواجهة الحياة بقلب اكثر نضجا وروح اكثر صلابة ومع مرور الوقت يدرك الانسان ان الجروح الصامتة ليست فقط دروسا في الصبر بل دروسا في الحب لنفسه قبل الاخرين وانها تمنحه قوة خفية تجعله اكثر مرونة واكثر قدرة على التعاطف مع نفسه ومع من حوله تصبح الجروح الصامتة ليست لعنة بل هدية تعلم الانسان الصبر وتمنحه القدرة على العيش بسلام داخلي
وتجعله يعرف ان الحياة تستحق الاستمرار حتى وان لم يلاحظ احد معاناته ولا قدر جهده وان كل لحظة تحمل درسها الخفي وفرصة للنمو والنضج والاقتراب اكثر من الحقيقة الداخلية

