
بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله رب العالمين، نحمده تعالى حمد الشاكرين، ونشكره شكر الحامدين وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، اللهم صلي وسلم وزد وبارك عليه، وعلى آله وصحبه اجمعين، حق قدره ومقداره العظيم أما بعد ذكرت المصادر الإسلامية الكثير عن صفة نبيلة وخصلة جليلة يحبها الله تعالي ويحب أهلها، فإنها الإحسان يا أهل الإحسان حيث يقول الله تعالي “وأحسنوا إن الله يحب المحسنين” فإذا أحسن المسلم إلى الآخرين في هذه الدنيا، كانت النتيجة إحسان الله إليه في الدنيا والآخرة، وإن أول المستفيدين من الإحسان هم المحسنون أنفسهم، يجنون ثمراته عاجلا في نفوسهم وأخلاقهم وضمائرهم فيجدون الإنشراح والسكينة والطمأنينة.
فيا أخي الكريم إذا طاف بك طائف من هم أو ألمّ بك غم فإمنح غيرك معروفا وأسدي له جميلا فستجد السرور والراحة، لأو أعطي محروما، أو إنصر مظلوما، أو أنقذ مكروبا، أو أعن منكوبا، أو عد مريضا، أو أطعم جائعا فستجد السعادة تغمرك من بين يديك ومن خلفك، ومن عجائب أخبار السلف الصالح ما روى أهل السير عن أحمد بن مسكين وهو أحد علماء القرن الثالث الهجري في البصرة، قال “امتحنت بالفقر سنة تسع عشرة ومائتين، فلم يكن عندنا شيء، ولي امرأة وطفلها، وقد طوينا على جوع يخسف بالجوف خسفا، فجمعت نيتي على بيع الدار والتحوّل عنها، فخرجت أتسبب لبيعها فلقيني أبو نصر، فأخبرته بنيتي لبيع الدار فدفع إلي رقاقتين من الخبز بينهما حلوى، وقال أطعمها أهلك، ومضيت إلى داري فلما كنت في الطريق لقيتني امرأة معها صبي، فنظرت إلى الرقاقتين.
وقالت يا سيدي، هذا طفل يتيم جائع، ولا صبر له على الجوع، فأطعمه شيئا يرحمك الله، ونظر إليّ الطفل نظرة لا أنساها، وخيّل إليّ حينئذ أن الجنة نزلت إلى الأرض تعرض نفسها على من يشبع هذا الطفل وأمه، فدفعت ما في يدي للمرأة، وقلت لها خذي وأطعمي ابنكن والله ما أملك بيضاء ولا صفراء، وإن في داري لمن هو أحوج إلى هذا الطعام، فدمعت عيناها، وأشرق وجه الصبي، ومشيت وأنا مهموم، وجلست إلى حائط أفكر في بيع الدار وإذ أنا كذلك إذ مرّ أبو نصر وكأنه يطير فرحا، فقال يا أبا محمد، ما يجلسك ها هنا وفي دارك الخير والغنى؟ قلت سبحان الله ومن أين يا أبا نصر؟ قال جاء رجل من خراسان يسأل الناس عن أبيك أو أحد من أهله، ومعه أثقال وأحمال من الخير والأموال، فقلت ما خبره؟ قال إنه تاجر من البصرة، وقد كان أبوك أودعه مالا من ثلاثين سنة.
فأفلس وانكسر المال، ثم ترك البصرة إلى خراسان، فصلح أمره على التجارة هناك، وأيسر بعد المحنة، وأقبل بالثراء والغنى، فعاد إلى البصرة وأراد أن يتحلل، فجاءك بالمال وعليه ما كان يربحه في ثلاثين سنة، فيقول أحمد بن مسكين حمدت الله وشكرته، وبحثت عن المرأة المحتاجة وابنها، فكفيتهما وأجريت عليهما رزقا، ثم اتجرت في المال، وجعلت أربه بالمعروف والصنيعة والإحسان وهو مقبل يزداد ولا ينقص، وكأني قد أعجبني نفسي وسرني أني قد مُلأت سجلات الملائكة بحسناتي، ورجوت أن أكون قد كتبت عند الله في الصالحين، فنمت ليلة فرأيتني في يوم القيامة، والخلق يموج بعضهم في بعض، ورأيت الناس وقد وسعت أبدانهم، فهم يحملون أوزارهم على ظهورهم مخلوقة مجسمة، حتى لكأن الفاسق على ظهره مدينة كلها مخزيات، ثم وضعت الموازين.
وجيء بي لوزن أعمالي، فجعلت سيئاتي في كفة وألقيت سجلات حسناتي في الأخرى، فطاشت السجلات، ورجحت السيئات، ثم جعلوا يلقون الحسنة بعد الحسنة مما كنت أصنعه، فإذا تحت كل حسنة شهوة خفية من شهوات النفس، كالرياء والغرور وحبِ المحمدة عند الناس، فلم يسلم لي شيء، وهلكت عن حجتي وسمعت صوتا ألم يبق له شيء؟ فقيل بقي هذا، وأنظر لأرى ما هذا الذي بقي، فإذا الرقاقتان اللتان أحسنت بهما على المرأة وابنها، فأيقنت أني هالك، فلقد كنت أحسن بمائة دينار ضربة واحدة فما أغنت عني، فانخذلت إنخذالا شديدا ، فوُضعت الرقاقتان في الميزان، فإذا بكفة الحسنات تنزل قليلا ورجحت بعض الرجحان، ثم وضعت دموع المرأة المسكينة التي بكت من أثر المعروف في نفسها، ومن إيثاري إياها وابنها على أهلي، وإذا بالكفة ترجح، ولا تزال ترجح حتى سمعت صوتا يقول قد نجا، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ” اتقوا النار ولو بشق تمرة “