مقال

حين يجري العمر سريعًا… من يبقى شاهدًا على الطريق؟

بقلم : حسام النوام

الأيام تمضي بسرعة لا تُصدق، كأنها قطار لا يتوقف، نركض خلفه فنجد أنفسنا ننتقل من محطة لأخرى دون أن نشعر. في لحظة ما، نلتفت إلى الوراء فنكتشف أن العمر جرى بنا أسرع مما توقعنا، وأن ما كنا نعده مستقبلًا أصبح ماضيًا نرويه. لا شيء يوجع الإنسان أكثر من أن يكتشف أن السنين سلبت منه الكثير، وأن ما بقي في يده أقل بكثير مما كان يحلم به.

تمر الأيام فنخسر أشياء ونربح أخرى، نفقد أشخاصًا كنا نظن أنهم لا يتركوننا، ونكسب دروسًا لم نكن نتصور أننا بحاجة إليها. في رحلة العمر يتناقص عدد الأحبة من حولنا، البعض أبعدته مشاغل الحياة، والبعض الآخر غيّره الزمن، فيما يظل القليل فقط على العهد، أوفياء مهما اختلفت الظروف. وهنا يبدأ الإنسان يسأل نفسه في صمت: مين فضلي من حبايبي؟ كام بقالي من صحابي؟ ومن يستحق فعلًا أن يكمل معي باقي الطريق؟

الصحبة الحقيقية لا تُقاس بالعدد، ولا بالضحكات في أوقات الفرح، بل بالمواقف في أوقات الشدة، حين تجد من يخفف عنك ثقل الأيام دون أن يطلب شيئًا في المقابل. ومع مرور العمر تضيق الدائرة أكثر فأكثر، حتى نكتشف أن رفيقًا أو اثنين خير من مئات الوجوه العابرة التي لا تترك أثرًا.

الحياة تسرق منا السنوات لكنها في المقابل تمنحنا البصيرة. ندرك أن العمر ليس بما مضى من أيام، بل بما زرعناه من حب، وما حفظناه من ودّ، وما تركناه من أثر. نكتشف أن المال يضيع، والمناصب تزول، والوجاهة الاجتماعية تتغير، أما الصدق والوفاء فهما وحدهما اللذان يبقيان شاهدين على نقاء الروح وصفاء القلوب.

العمر مهما طال يظل قصيرًا، يذهب سريعًا كما لو كان حلمًا عابرًا. كل ما نملكه في النهاية هو الذكريات وما تبقى من صحبة حقيقية، ومن أحبنا بصدق وظل معنا رغم قسوة الأيام. وادي اللي بناخده من الأيام مش سنين وبس، لكنه دروس، ومواقف، وقلوب عرفت كيف تصمد، وأخرى اختارت أن ترحل، ويبقى السؤال حاضرًا في وجداننا: مين بقالي ومين فضل معايا للنهاية؟

sdytm165@gmail.com

About Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *