
كتب الأديب أحمد أمين عثمان
حين نتأمل معنى السلام بوصفه قيمة إنسانية عليا ندرك أنه ليس شعارا يرفع ولا خطابا موسميا بل هو إلتزام أخلاقي عميق بحق الإنسان في الحياة والكرامة والأمن.
السلام الحقيقي لا ينفصل عن حقوق الانسان ولا يقوم فوق رفات جماجم الأطفال والنساء والشيوخ المظلومين ولا يزدهر في ظل القهر والإحتلال لان العدل هو روحه والحرية شرط وجوده.
لقد خلق الله الإنسان مكرما ومنحه أمانه العقل والوعي والإدراك والقدرة على الأختيار وسخر له ما في الكون ليعمره لا ليخربه وليحفظ الحياة لا ليستبيحها بالحروب ليشبع شهوة القتل.
قال تعالىفي كتابه الكريم.
{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا}
وهذه الكرامة ليست منحة من قوة ولا هبة من مغتصب محتل بل حق إلهي ثابت لكل انسان مهما كان لونه أو لغته أو ارضه.
ومن هذا المنطلق لا يمكن لمحبي السلام أن يصمتوا أمام العنف الممنهج الذي يمارسه جيش الإحتلال، ولا أمام الظلم الواقع على أصحاب الأرض الذين يجردون من أبسط حقوقهم ويصفون تحت سمع العالم وبصره.
أن قتل الانسان وتهجير الأنسان، ومحاصرة الأنسان ليست افعالا أمنية كما يروج لها بل جرائم تنتهك جوهر الكرامة التي أقرها الله وتفضح زيف الخطاب الأنساني حين يتحول إلى أداه أنتقائية تخضع لمصالح أستعمارية ونهب منظم لموارد الشرق وثرواته.
العالم اليوم أسير رغباته ومصالحه مقيد بحسابات القوة والهيمنة فيرى ولا يتحرك يسمع ولا ينطق ويغض الطرف عن مآس إنسانية لو وقعت في غير هذا المكان لأهتزت لها الضمائر. وهذا الصمت ليس حيادا بل مشاركة غير مباشرة وتضامن في الجريمة لأن السكوت عن الظلم يطيل عمره ويمنح الجلاد شرعية زائفة.
إن الدعوة إلى نبذ العنف لا تعني القبول بالظلم ولا تعني مطالبة الضحية بالتخلي عن حقه في الحياة والحرية بل تعني رفض منطق القتل والإبادة كوسيلة وإدانة كل إعتداء على الإنسان والدفاع عن حق الشعوب في أن تعيش مكرمة كما خلقها الله عز وجل.
السلام لا يفرض بالقوة ولا يحرس بالدبابات بل يبنى بالإعتراف بالحقوق وبأنصاف المظلوم وبإعادة الأعتبار للإنسان كغاية لا كوسيلة.
لقد سن أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام منهج الإيمان القائم على التفكر والتدبر وحرية الأختيار لا على القهر والإكراه.
ومن هذا المنهج نتعلم أن الإيمان الحق لا يتناقض مع كرامة الإنسان بل يحميها وأن العبادة الحقة تبدأ من إحترام الحياة ورفض الظلم والقهر والوقوف مع الحق مهما كانت كلفته.
إنسان اليوم لا يطلب المستحيل بل يطلب حقا بسيطا وعادلا أن يعيش أمنا على أرضه حرا في قراره مكرما في إنسانيته وهذه ليست قضية شعب وحده بل إختبار حقيقي لضمير العالم كله فإما أن نرتقي بأنسانيتنا وأما أن نبقى شهود زور على عصر يقتل فيه الإنسان بأسم القوة وتداس فيه الكرامة تحت لافتات زائفة في حضارة وهميه لحقوق الإنسان والسلام.

