Uncategorized

تونس بين مطرقة التدخل الامريكي وسندان التحديات الداخلية

بقلم د. ليلى الهمامي

اخيرا منذ بضعة ايام اطلقت مبادرة تشريعية في الكونغرس الامريكي من نائبين ديمقراطي وجمهوري من اجل سن قانون يسلط عقوبات على النظام في تونس وعلى شخصيات بارزة يحملها مسؤولية ما اسموه بانقلاب 25 جويلية 2021.
هكذا جاءت الصيغة الامريكية لتونس من اجل العودة الى دستور 2014 من اجل اعادة الاعتبار للمؤسسات الديمقراطية.
بكل تاكيد وجدت الطبقة السياسية نفسها امام احراج… المعارضات لاذت بالصمت، لازمت الصمت، كانها لم تستمع ولم يبلغها خبر هذا المشروع التشريعي، هذا القانون الذي لا يزال طور الانجاز، ولا يزال ضمن مسار الانجاز وتعددت القراءات، قراءات المحللين والمختصين في الشان السياسي لكن الاطراف السياسية لاذت بالصمت وابتلعت السنتها.
الكل يعلم ان الربيع العربي لم يفضي ولم يقد الا الى كوارث في العالم العربي… عالم عربي مازوم معطوب من اصله.
الربيع العربي مكن الاسلام السياسي من الحكم ومكن جماعات شكلتهم المخابر السياسية الامريكية، اعدتهم بدعم من قطر وبدعم من تركيا من حكم جزء كبير من المنطقة العربية.
الربيع العربي مكن من تدمير قدرات دفاعية لجزء كبير من المنظومة العسكرية العربية. الربيع العربي مكن ايضا من شل حركة التقدم الاقتصادي حتى وان كانت هذه الحركة محدودة في عديد البلدان، الى حد ان مستوى نمو هذه البلدان شارف مستوى الصفر. ل
م تكن عمليات الربيع العربي او ما اصطلح على تسميته بالثورات الملونة… والثورات الملونة من اصلها ثورات مفتعلة صنعتها دوائر المخابرات ومخابر السياسة ودوائر الاعلام الموجه من الادارة الامريكية ومن المنظمات التابعة لها، لم تكن المسالة كما اعتقدها البعض عفوية… لم تكن صادرة عن العمق الاجتماعي العربي… فانتهت الى انفلات الاوضاع، الى اتساع رق ومجالات النشاط الارهابي… اغتيالات، استهداف للجنود، ضرب الاستقرار، شيطنة مجتمع ممزق ومفكك…
في تونس المسالة ادركت اشكالا ماساوية. اشكالا ماساوية باعتبار ان الاسلام السياسي اراد ان يتموقع في الصف الثاني من دوائر الحكم المحلي.
في تونس مثلا اراد الاسلام السياسي التخفي وراء مرشح اختاره ورشحه ودعمه في الدور الثاني من انتخابات 2019 هو الرئيس قيس سعيد. الاخوان عندنا قرروا دعم الرئيس قيس على اساس انه يفتقد لحزب، على اساس انهم خططوا لاحتوائه وتوظيفه…
انتهت مسارات السياسة المحلية الى 25 جويلية، والاجراءات الاستثنائية التي بموجبها تم تعليق العمل بالدستور، دستور 2014 وافضت الى تلك الاجراءات، الاجراءات التي حل بموجبها البرلمان وكل الهيئات التي نص عليها دستور 2014.
هذا الوضع افضى في تصور قيس سعيد الى بناء او تاسيس جمهورية ثالثة بدستور وصفه البعض بشديد المركزة، أو دستور يكرّس احتكار كل الصلاحيات، مع حط منزلة السلطة القضائية الى وظيفة… والسلطة التشريعية الى مستوى الوظيفة، يعني من سلطة قائمة وقع حط القضاء والبرلمان الى مستوى الوظيفة.
رد الفعل الامريكي، بكل تاكيد هو رد فعل متوجس غير محبِّـذا لما حصل، أكيد، ليس حبا في الديمقراطية، ليس شغفا بالديمقراطية، ليس حرصا على حرية الشعب التونسي، وانما لأن الديمقراطية بالنسبة للولايات المتحده الامريكية، بالنسبه للادارة الامريكية هي في الحقيقة نظام رخو قابل الاختراق، يمكنها من خلال الوسائط ومؤسساتها وحلفائها، ان تخترق المشهد، ان تشكل المشهد، ان تعيد تشكيل المشهد بطريقة اقتصادية…. مقارنة وفي مواجهه نظام سلب ونظام استبدادي مغلق، وبالتالي كان رد الادارة الامريكية من خلال وفود الكونجرس الأمريكي التي تعاقبت على تونس والتي زارت قيس سعيد في قصر قرطاج، والتي التقته لمحاورته حول ما يسمى بالعودة الى الديمقراطية حسب ما جاء في أخبارهم…
كل هذه المساعي، كل هذه كل هذه التحركات، لم تفضي الى إثناء الرجل عما يعتبر انه رسالة للانسانية، عما يعتبر انه خلاص الانسانية وخلاص لافريقيا، وخلاص
لكل ما يمكن ان يوجد على وجه الارض…
كل هذه التحركات، كل هذه التصريحات لم تفضي الى اي نتيجة. الرجل مصرّ على ان يؤسس الجمهورية الثالثة، الرجل مصرّ على انه يقطع مع الديمقراطية التمثيلية بفسادها وبتلاعبها وبتحيلها على الارادة الشعبية. وبالتالي الرجل في المحصلة، لم يكن في الاستماع ولم ياخذ بعين الاعتبار كل تلك الملاحظات.
الموقف المبدئي الوطني بكل تاكيد هو الرفض. رفض الوصاية الخارجية. الموقف المبدئي رفض التدخل الخارجي في الشان التونسي. لكن هذا يفترض ايضا ان لا نكون في اي شكل من اشكال التبعية للولايات المتحدة الامريكية.
لا يخفى على أحد أن الولايات المتحدة الامريكية هي الامبراطورية الاعظم في العالم وأن القوة الامريكيه -اراد من اراد وكره من كره-، تفرض نفسها على الجميع، لكن هذا لا يعني ان نضحي باستقلايتنا.
ان نضحي بالاستقلالية فذلك يعني ان نتبع، ان نكون تابعين وان نطبق التعليمات وبالتالي ان نفقد الشروط الدنيا للوجود كدولة مستقلة. هذا امر مرفوض! مرفوض في المنطوق العلني لمكونات الساحة السياسية، لكن سرا… نحن نعلم جيدا تاريخ الاطراف السياسية، نعلم جيدا ان عديد الاطراف لم توجد في صدارة الاحداث وفي واجهة الاحداث خلال الفترة الاخيرة، أقصد خلال العقد الاخير، الا بفضل قرار من الدوائر الخارجية!!! هذا امر لابد من ان نؤكد عليه، لابد من ان نعلن ان الاسلام السياسي ومشتقات او بالاحرى مصاحبات الاسلام السياسي من الاحزاب، احزاب الديكور الجديد تلك الاحزاب التي عرفت باحزاب صفر فاصل المصاحبة للاسلام السياسي المزينه المزوقه المزركشه للاسلام السياسي، هي في اخر الامر جاءت في اطار سيناريو اعد له خارجيا.
لكن اي موقف يجب اتخاذه في ظل هذا القانون او مشروع هذا القانون؟
واضح ان المسالة الوطنية ان المعيار الوطني يدفعنا الى رفض هذا المشروع ورفض هذا المنطق، ورفض هذا الاتجاه… لكن هذا لا يعني ان نضحي بالديمقراطية، هذا لا يعني ان نتهاون في المسالة الحقوقية بقطع النظر عن الالوان السياسية.
نحن نعارض بكل تاكيد الاسلام السياسي وحلفاء الاسلام السياسي وكل من تورط وتواطىء في وضع يد القوى الاجنبية على الساحة السياسية الوطنية. لكن في ذات الوقت نحن نرفض التضحية بالديمقراطية، نرفض التضحية بالتعددية، نرفض التضحيه بمفهوم دوله القانون. نعتبر ان هذا امر لا نقاش فيه، ان هذا امر واجب لا يمكن ان نتهاون به؛ وبالتالي رفض هذا التمشي رفض هذا القانون والمطالبة بالاصلاحات سلمية وفق ما تنص عليه الشرائع والمعاهدات الكونية. نعم نحتاج الى مجتمع حرية، نحتاج الى مجتمع ديمقراطية، نحتاج الى تعدد، لكننا نرفض رفضا تاما كل انماط الوصاية،،، حتى تلك التي تعتبر بعض مكونات المشهد السياسي حالة طبيعية، وانها تتنزل ضمن التزامات كونية، التزامات الدولة التونسية … موقفي انه بقطع النظر عن الدولة، بقطع النظر عن النظام السياسي، يجب أن نرفض التدخل الخارجي، لكنني ايضا أعتبر ان لا مستقبل لتونس خارج النموذج الديمقراطي، النموذج الديمقراطي ضرورة اكيدة لمستقبل تونس والعالم العربي. الديمقراطية ليست خيارا، الديمقراطية ضرورة.

sdytm165@gmail.com

About Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *