مقال

تجديد الدين على رأس كل مائة عام


بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله حمدا كثيرا كما أمر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إرغاما لمن جحد وكفر، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، سيد الخلائق والبشر، الشفيع المشفع في المحشر، صلى الله عليه وعلى أصحابه ما اتصلت عين بنظر، وسمعت أذن بخبر، ثم أما بعد روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال ” إن الله تعالى يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها ” رواه أحمد، وإن من يبحث هذا الحديث ويرى إطباق الأمة على تصديقه ليتكون لديه علم يقيني لا شك فيه أن النبي المصطفي صلى الله عليه وسلم قال هذا الحديث ونطق به والحديث يقرر سنة إلهية مطردة في هذه الأمة سنة التجديد لما إندرس من أمر هذا الدين على رأس كل مائة وهذه السنة لها جانبان، فالأول الجانب القدري فهو خبر عن وعد إلهي لا يخلف.

وأن التجديد لا ريب فيه وهو بهذا الاعتبار من البشارات النبوية العظيمة، فالتجديد قدر ومن ذا يرد القدر ؟ من ذا يحجب الشمس بيديه الضعيفتين ؟ أتطفئ نور الله نفخة كافر تعالى الذي بالكبرياء تفردا، والثاني وهو الجانب الشرعي فهو طلب إلى الأمة وخاصة القادرين من أهل العلم والإيمان أن يؤدوا الدور المنوط بهم، فقد يكون التجديد على أيديهم وإن المجدد ليس ملكا يهبط من السماء وليس مهديا يخرج من السرداب، وإن كان العراقي رحمه الله وغفر له ظن ظنا في غير محله حين قال في قصيدته عن المجددين ” وأظن أن التاسع المهدي من ولد النبي أو المسيح المهتدي، فالأمر أقرب ما يكون وذو الحجى متأخر ويسود غير مسود، فكان يظن أن مجدد القرن التاسع هو المهدي الموعود، وتقول المصادر ونحن لا نجد حرجا في إعتبار المهدي أو عيسى آخر المجددين.

وليس هذا بمنكر، لكن المنكر أن يضع المسلمون خدودهم على أكفهم، ويضعوا رجلا على أخرى ويقولون ننتظر المجدد، والمجدد لا يحيي الموتى، ولا يحرك الرمم وليس خارقا من الخوارق، والمجدد يتزعم تيارا متدفقا من أهل العلم والإيمان والخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز لم يكن وحده، والشافعي لم يكن وحده والإمام ابن تيمية لم يكن وحده، فكانت الأمة من ورائهم، ثم إن المجدد ليس بالضرورة فردا، بل الغالب أن يكون التجديد مهمة طائفة، وإنها الطائفة المنصورة التي تنازل الإنحراف في الأمة فتنتصر عليه، وإذا جاز أن يكون مجدد القرن الثاني أو الثالث فردا على سبيل الإفتراض فإن هذا يكاد يتعذر في القرون المتأخرة، وذلك لأن الأمة قد إتسعت وإنتشرت وأصبح التأثير على جميعها أمرا في غاية المشقة والعسر وجوانب الإنحراف تعاظمت ولم تعد مقصورة على مجال دون آخر.

مع أن نوعية المصلحين والمجددين تضعف ويقل مستواها كلما تقدم الزمن والله المستعان، وعلى هذا الرأي تجتمع كلمة طائفة غير قليلة من أهل العلم، فليس موقفا صحيحا أن ييأس المصلحون ويقعدوا في إنتظار مجدد لا يدرون من أين يأتي ولنفترض فيهم من العيوب والنقائص ما نفترض، فإنهم مخاطبون بالشريعة ومكلفون، فمن كان عنده علم فليظهره، ومن كان لديه طاقة فليبذلها، ومن كان له موقع فليستثمر ذلك الموقع في أمر أو نهي أو إصلاح، وكم هو محزن أن تجد الكثيرين تخلوا عن مسؤولياتهم وواجباتهم بحجة أن الخرق قد إتسع على الراقع، وأنهم لا يمكن أن يسبحوا ضد التيار، فأين الصبر إذن؟ فيقول الله تعالي ” حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجي من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين “

sdytm165@gmail.com

About Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *