مقال

تأثير الحرب على نفسية الفرد


بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده نبينا محمد وعلى آله وصحبه، فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، ثم أما بعد ذكرت المصادر الكثير عن الأضرار النفسية الناتجة عن الحروب، وهي أن المظالم التي تنشأ في سياق ما بعد الصراع قد تؤدي إلى المزيد من الصراعات، مما يؤدي إلى حدوث دورة مستمرة من العنف والصدمات، تشكل مقدمة ونتيجة لا نهائية، أو ما يسميها البعض بدائرة الإنتقام المغلقة، والنتيجة الإجتماعية المترتبة على ذلك هي إمكانية أن يصبح المجتمع متجمدا في معاناته، حيث تؤدي القضايا المعقدة في الحروب إلى عقلية جماعية تشعر بالظلم والتسليم به فقط، أو بالأحرى يمكن وصف ذلك بالإستسلام الغريب.

للحرب ونتائجها، وعدم فعل أي شئ لتفادي كوارثها، وقد شهدت البشرية العديد من تلك المظاهر مثل التي حدثت في غزوات التتار على الشرق الأوسط وأوروبا، أو الصليبيين في الشام ومصر، أو بالحروب العالمية مؤخرا، حيث شهدنا إستسلاما غريبا للحرب، وعدم فعل أي شيء لتجنبها أو لتفادي نتائجها الوخيمة، ومن الناحية التاريخية يمكن تتبع آثار الحروب على إستقرار الدول وثقافة شعبها وشكلها النهائي، لكن وراء ذلك في الخلفية يوجد عامل نفسي حيث إن تأثير الحرب على نفسية الفرد عميق للغاية، ويؤثر في قراراته وإنفعالاته مثل العنف والحزن والغضب وفقدان الأحباء، وتعطيل الحياة الطبيعية وغيرها من الخسائر، كل ذلك يسهم بشكل مباشر في تصرف متعمد أو لا إرادي في القرارات، حيث يمكن فهم أسباب سقوط دولة الخلافة الراشدة مثلا من هذا المنطلق.

حيث كانت دولة مستقرة وتتبع سبلا معروفة ومضمونة في الإختيار، لكن بعد تصارع الأشقاء على السلطة حدثت الصدمة، وما تبين من الصور الوردية عن الأخ والصديق أنه كان زائفا، وصنع معتقدات وردة فعل يعتريها القلق والحزن، ومن هنا يأتي الإكتئاب المصاحب للقرارات الإنفعالية غير المدروسة، والتي تتخذ غالبا في أجواء متوترة، وبالمثل يمكن فهم أسباب سقوط الدولة السلجوقية خصوصا بعد سلطانها الثالث ملك شاه، وقد أفرد أحد الباحثين في عرض صراعات السلاجقة بعد ملك شاه بشكل مفصل حيث تقلد أكثر من ستة عشر سلطانا سلجوقيا الحكم في مائة عام كان ذلك كفيلا بسقوط دولتهم، وإن الإعتراف بالمعاناة سواء أكان الفردية أو الجماعية هو شرط أساس وجوهري للعلاج حيث يخلق ذلك مساحة للتعاطف والحوار الإنساني، ومن ثم يحدث التعافي.

وقد التقط الشاعر الفلسطيني محمود درويش جوهر الخسارة والتشرد في شعره بشكل مفصل، مستعينا بقصص الفلسطينيين في النضال والفقد، وما ذلك إلا عن تجربة ثقافية مشتركة تشكلت بفعل الحرب، وشعوره بالألم جراء ما يحدث، كذلك في الفنون البصرية كالرسم، تظهر الصور المروعة للحروب وعواقبها آثار الجرائم نفسيا بشكل عميق، وتعكس لوحات فنانين مثل فرانسيسكو غويا وبابلو بيكاسو أهوال الصراع والإضطرابات النفسية التي تعيشها البشرية، ونظرا لوجود عدد كبير من الفنانين الذين عانوا من ويلات الحرب وشاركوا بشكل مباشر في القتال، إما كجنود أو فناني حرب يوثقون الحياة في الجبهة، أنتج العديد منهم أعمالا بناء على تجاربهم في المشاركة في القتال أو مشاهدته، مصورين الكثير من الإضطرابات والصدمات غير المسبوقة لهم، الناجمة عن الحرب.

sdytm165@gmail.com

About Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *