مقال

اين ذهب التعليم مع اسلوب التقييم ؟


بقلمي جمال القاضي

نعلم جميعا أن نهضة الشعوب تأتي من نهضة التعليم، لذا فقد حرصت الدولة على ان تتبنى خطة شاملة لتطوير التعليم في مصر فكان تدرج المناهج من السهل الى الصعب ومن البسيط الى المعقد لتجعل المتعلم اكثر قدرة على اكتساب مجموعة من المهارات والمعرفة والخبرات التي تجعل منه مواطنًا صالحًا في مجتمعه قادرًا على العطاء وبالتالي كان حرص الدولة على تطوير التعليم من خلال المناهج بمراحله المختلفة لكي تواكب التقدم العلمي في جميع المجالات والتي كنا نأمل مع هذا التطور أن تلحق بلادنا بركب التقدم وتعيد للتعليم مكانته التي كانت عليه منذ فترة قصيرة قد مضت .

لكننا اليوم صرنا رغم هذا التطوير نعاني الكثير من المشكلات
في مجال التعليم والتي كان منها عجزا في عدد المعلمين وارتفاع كثافة الفصول ونقص الموارد الحقيقية وعوار في اسلوب التقيم المتبع في مرحلة التعليم الأساسي وخاصة في الحلقة الأولى منه وهي التعليم الابتدائي .

واليوم سوف نناقش وباستفاضة واضحة نتناول فيها عيوب هذا الأسلوب المتبع من التقييم ودوره في فشل التعليم وضياع المجهودات التي بذلت من قبل في تطوير المناهج وذلك من خلال عدة محاور سوف نتناولها تفصيلا لتتضح الصورة امامنا لعلنا نجد من خلالها مخرجا يعيد للتعليم دوره الفعال الذي يواكب تطور مناهجه العلمية .

ومن العناصر التي سوف نتناول بعض منها تفصيلا وحديثا :
١- مالمقصود بالتقييم ؟
٢- ماهي انواع التقيمات في التعليم الأساسي ؟
٣- ماهو التأثير السلبي لأسلوب التقيم المتبع حاليا على كل من
المتعلم والمعلم والأسرة والمجتمع ؟
٤- اقتراحات التطوير في اسلوب التقييم ؟

أولا : المقصود بالتقييم:-
تهدف التقييمات الى قياس مستوى استيعاب الطالب للمنهج وتقديم ملاحظات فورية لتحسين أدائه

ثانيا : انواع التقييمات الأسبوعية:-
١- اختبارات متنوعة: وتشمل أسئلة الاختيار من متعدد، والأسئلة المقالية، والمشاريع القصيرة التي تتنوع بين الطلاب.
٢- المهام الأدائية: هي تكليفات يتم فيها قياس مدى إتقان الطالب للمهارات العملية في كل درس.
٣- التقييمات الصفية (أداءات صفية): تكليفات يوجّهها المعلم للطلاب أثناء شرح الدرس، وتعتبر جزءًا من التقييم التكويني.
٤- الواجبات المنزلية: تكليفات منزلية يتابعها المعلم لتحديد مستوى التزام الطالب ونقاط قوته وضعفه.
٥- المواظبة والسلوك: تقييم لمدى انتظام الطالب وحسن سلوكه داخل الفصل الدراسي.

ثالثا : التأثير السلبي لأسلوب التقييمات المتبع حاليا على كل من الطالب والمعلم والأسرة والمجتمع والهدف من التعليم عموما :-

١- تأثير أسلوب التقويم على الطالب :
هذا الأسلوب أفقد الطالب قدرته على التعلم الحقيقي اذ ان دوره بات ينفذ مايطلب منه من واجبات والتي منها مايكون أثناء تواجده بالحجرة الدراسية ومنها مايكمله حين عودته من المدرسة، فلاوقت في المدرسة لمناقشة معلمه او يتلقى منه
معلومة علمية مع كل هذا الزحام من الكثافة الطلابية داخل حجرات الدراسة فأصبح الطالب هيكلًا بلا مضمون أو محتوى
يمكن مناقشته فيه سوى افكارًا متراكمةً من مواقع الانترنت التي ذهب بها للمدرسة ليعيش بفوضى فكرية تعكس عنف سلوكياته واللامبالاة في تحمله المسؤلية ليستخدم العنف مع معلمه ومع زملائه داخل الحرم المدرسي وسط ضعف القدرة على تنفيذ القوانين الموجودة في لائحة الانضباط المدرسي خوفا من العنف الذي قد يقع على من ينفذ هذه القوانين واللوائح بعد الخروج من المدرسة

٢- تأثير اسلوب التقييم على المعلم :
لقد جاء هذا الأسلوب من التقييم ليقضي تماما على الدور الأساسي للمعلم ، فكانت من مهام وظيفته تعليم النشئ والعمل على إكسابه مجموعة من الخبرات والمهارات والمعارف من خلال مناهج خاضعة للتقييم ، لكن المعلم قد تحول فجأة ومع أسلوب التقييم المتبع الى موظف أرشيف دوره تصحيح ورصد درجات المهام والواجبات والتقييمات التي تم تكليف الطالب بها داخل الحصة التي لم ابدا تكفي للانتهاء منها داخل المدرسة، فراح يكمل دوره كمعلم في بيته حين عودته اليه، حاملًا حملًا ثقيلًا من الكتب والكراسات التي بها هذه التقييمات وبالتالي لم يعد لديه وقتًا لطلابه لقيامه بدوره من تعليم وتبسيط وتوضيح وقياس قدرة هذا الطالب على الاستيعاب داخل الفصل المدرسي، وهذا ايضا قد قضى على وقت المعلم تماما، حيث انه مع حمله لهذه الكتيبات والكراسات الخاصة بتلاميذه يجعله يجلس مفترشًا اياها أمام أسرته دون الإلتفات لهم ومتطلباتهم الأسرية فساعد على تفككها وخاصة اذا كانت معلمة ومتزوجة وحاضنة لأطفال، فضاعت وضعفت قوى المعلم بدنيا واصبح عرضة للضياع بسبب ماقد يتعرض له من إمراض بسبب نقص الدخل لعدم وجود وقت قد يستفيد منه في عمل إضافي ربما قد يساعده على تحسين دخله المادي .

٣- تأثير أسلوب التقييم على الأسرة :
نعلم جميعا ماقد وصلت إليه الأسر من سوء الحالة الإقتصادية ومدى المعاناة التي تقابلها كل يوم بسبب الغلاء وارتفاع الأسعار والذي جعلها تعيش مع سباق تحاول فيه ان تحصل على مايعينها للحصول على لقمة العيش، لكن هذا الأسلوب للتقييم قد جاء اليوم ليضيف اليها معاناة جديدة تستنزف معه معظم مواردها المالية للدروس الخصوصية والتي حرصت فيها على ان تعلم أبنائها خارج إطار المدرسة حيث انها ترى ان فيها لم يعد هناك وقتًا كافيًا للتعلم أثناء اليوم الدراسي بسبب كل هذه الواجبات التي يكلف بها الطالب خلال الأسبوع من قبل معلمه وكلاهما غير مسئول عن ذلك فهو إمر واقع على كل منهما، فزادت حالة الأسرة المادية سوءًا على ماكانت عليه من سوء .

٤- تأثير اسلوب التقييم على المجتمع :
ان هدف اي دولة من دول العالم هو النهوض والتقدم مستخدمة في ذلك كل الأساليب المتاحة لديها، فكان التعليم هو الطريق لهذا التقدم، لكنها قد طورت مناهجه بداية من القاعدة مستمرة صعودًا تدريجيًا لقمته، لكن هذا الأسلوب من التقييم قضى على الهدف من التعليم والتطوير، فصرنا خارج التصنيف العالمي من الدول المتقدمة في هذا المجال حتى اصبحنا نستنزف الأموال وكأننا ذهبنا بها لنملأ اجولة ثقبت بأيدينا ولا أمل في سد هذه الثقوب لنرى ملؤها ملًأ تدريجيًا مما ينفق أو يصب فيها، ففقد الأموال وضاع الوقت وانهكت القوى وكأننا نعود للوراء لعقود عميقة من الجهل والتخلف، راح يشبه فيها المتعلم هذا الإطار الفارغ المحتوى، ويشبه فيها معلمه بموظف أرشيف كل هدفه هو ان يرتب مستنداته تحسبُا لمن يأتيه فجأة من المتابعين لمراجعة عددها ويقف على صحيحها دون النظر لما وصل البه المتعلم من التعليم .

رابعا: اقتراحات التطوير في أسلوب التقييم :-

ذكرنا سابقا أن المناهج الدراسية قد شهدت تطورات إيجابية من حيث الهدف والمحتوى لكن العوار الحقيقي هو في أسلوب التقييم الذي يستخدم لقياس مدى استيعاب الطالب، ولنا أن نسأل أنفسنا مجموعة من الأسئلة التي نضعها أمام مسامع واعين الجميع قبل ان نقترح التطوير ومنها :
أين هذا الاستيعاب للطالب وهو لم يكن لديه وقتا داخل الحصة لهذا الإستيعاب كما لم يتوفر للمعلم ذلك ؟
اين هو الوقت الذي يقدم فيه المعلم للمتعلم التغذية الراجعة التي تمكن المتعلم من تصحيح القصور الذي كان عليه بالأمس ؟
كيف للمعلم ان يقوم بدوره المنوط به في العملية التعليمية كمحور اساسي كونه وسيط بين منهج متطور وطالب جاء ليتعلم من خلاله مجموعة من الخبرات والمهارات والمعارف وهو بين امور عديدة من سجلات وأوراق ومستندات يجب ان تكون كاملة لديه وبين طالب جاء ليتعلم منه وهذا الوقت الذي يراه يمر سريعا من بين يديه وهو وقت الفترة او الحصة المخصصة للمادة ؟

لكننا نقترح مجموعة من المقترحات لتطوير اسلوب التقويم وهو إلغاء نظام التقييمات المتبع حاليا والعودة الى عقد اربعة تقييمات على مستوى العام الدراسي فالأول في منتصف الفصل الدراسي الأول مايشبه امتحانات نهاية العام والثاني يعقد في نهاية الفصل الدراسي الأول وكذا يتكرر مع الفصل الدراسي الثاني لكل وحدة او منهج من المناهج الدراسية، وبالتالي يتيح للمعلم القيام بدوره في التعليم الايجابي الفعال مما قد يساهم في القضاء على ظاهرة الدروس الخصوصية والتي ساعد عليها هذا النظام الحديث في التقييم وذلك بسبب غياب دور المدرسة في التعليم نظرا لعدم توافر الوقت للمعلم للقيام بذلك وارتفاع الكثافة الطلابية داخل الفصل ونقص في أعداد المعلمين .

علينا ان نعيد النظر في هذا الأسلوب للتقييم اذا أردنا ان نواكب ماتم تطويره مؤخرا من المناهج في مرحلة التعليم الأساسي
والله ولي التوفيق

sdytm165@gmail.com

About Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *