
بقلم / محمـــد الدكـــروري
إن الحمد لله شارح صدور المؤمنين، فانقادوا إلى طاعته وحسن عبادته، والحمد له أن حبب إلينا الإيمان، وزينه في قلوبنا، يا ربنا نشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت، ونشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، وصلى اللهم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين أجمعين، أما بعد إن الوطن هو ملاذ الإنسان الدافىء، وهو هبة من الله تعالي له، كما يمثل حصنا يحتمي فيه المواطن من الفقر والجوع والتشرد، ويشعر الفرد بفطرته بالحب والمسؤولية تجاه وطنه، إذ يدافع عنه ويحميه من الأعداء، وحثت الأديان السماوية جميعها على الحفاظ على الوطن والتضحية من أجله، لكي ينعم الجميع بالأمن والإستقرار، فعلينا دائما أن نعبر عن حبنا له بكافة الطرق والوسائل المتاحة، واعلموا أن حب الوطن هو الحب الذي يتوارثة الاجيال حيث ينتقل بالوراثة من جيل إلى جيل.
بهدف إلى الحفاظ على الأرض التي يسكنوها، فالكثير من الشعوب ناضلت وقاتلت وقدمت الكثير من أبنائها تضحية في سبيل أمن الوطن، وإن الوطن في الاصطلاح يُقصد بالوطن الأرض التي يولد فيها الإنسان، وينشأ فيها، ويترعرع في أكنافها، ويتزوج فيها، وهو المكان الذي يحتوي مجموعة من عبق الذكريات التي لا يمكن نسيانها، وبالتالي فإن الوطن هو بمثابة الذاكرة للإنسان، حيث قال الجاحظ كانت العرب تحمل معها تربة من بلادها أو رملا أو عفرا إذا غزت، أو سافرت وذلك من أجل أن تستنشقه، وكما أن حب الوطن فضيلة في دولة الخلافة الإسلامية، فلا يكفي هؤلاء الخوارج وأصحاب الأفكار الشاذة عن الحديث عن الإنتماء لدولة الخلافة الإسلامية وأنها الأحق بالإتباع، إذن فلنأخذ المثل بدولة خلافة فعلية قامت وكانت نموذجا للخلافة الراشدة.
فهل رفض الخلفاء الراشدون فكرة الوطن؟ وهل عاقبوا من أعلن حبه لوطنه الذي ينتمي اليه؟ وهل حاولوا طمس هوية الدول وصهرها في بوتقة الخلافة الإسلامية؟ لا، لم يحدث بل على العكس إعترفوا بشخصية كل دولة وحافظوا عليها وإحترموا على عادات شعوبها طالما لا تتعارض مع المبادىء الإسلامية، ومن أمثلة ذلك هو ما روي عن الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه انه قال ” لو أن دابة في العراق تعثرت لخشيت أن يسأل عنها عمر لما لم يمهد لها الطريق” ولم يقل الفاروق عمر رضي الله تعالى عنه المقاطعة، مثلا وإنما قال العراق بحدودها المعروفة فلم يجد رضي الله تعالى عنه غضاضة في ذلك فدولة الخلافة الإسلامية إحترمت شخصية الدول وحدودها، وفي كتاب رسائل الجاحظ أن الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال ” لولا حب الوطن لخرب بلد السوء”
وكان كبار علماء المسلمين ينسبون الى بلادهم فلا يوجد غضاضة في ذلك فذلك الإمام البخاري رضي الله تعالى عنه نسبة الى بخارى، والصحابي الجليل سليمان الفارسي رضي الله تعالى عنه نسبة الى بلاد فارس، والكثير من العلماء في شتى المجالات نسبوا الى بلادهم فلم نرى أيا من الصحابة أو التابعين ينكر ذلك أو يرفضه إذن الإنتماء للوطن لم يكن عيبا آنذاك وصار فجأة عيبا اليوم، وقد إحترمت الدولة الإسلامية مختلف الثقافات داخل الدولة ووفرت لها البيئة الحاضنة لتنمو وتزدهر وليس أدل على ذلك مما يسمى العصر الذهبي للثقافة اليهودية وهي الفترة التي حكم فيها المسلمون الأندلس وهي شبه الجزيرة الإيبيرية، أي إسبانيا والبرتغال الآن، فلو أن الدولة الإسلامية تستوجب إنصهار الثقافات فيها وحاربت مفهوم القومية لما برزت الثقافة اليهودية ونمت في كنف الدولة الإسلامية.
والأمثلة كثيرة في مقولات الصحابة والتابعين رضي الله تعالى عنهم جميعا مما يدل على أن حب الوطن من الفضائل التي شجع الإسلام عليها وشجعها وليست نقيصة ننفر منها أو تهمة ننفيها عن انفسنا بل شرف نتمسك و نفخر به.