
بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله المتوحد بالعظمة والجلال، المتعالي عن الأشباه والأمثال، أحمده سبحانه وأشكره من علينا بواسع الفضل وجزيل النوال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ومصطفاه من خلقه كتب الفلاح لمن اتبعه واحتكم إلى شرعه، ففاز في الحال والمآل صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه خير صحب وآل، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد ذكرت المصادر الإسلامية كما جاء في كتب الفقه الإسلامي أن للكذب دواعي تدعو إليه وأمارات تدل عليه، ولا شك أن معرفة هذه الدواعي وتلك الأمارات مما يساعد في محاولة العلاج لأن الخطوة الأولى في علاج أي مرض تنحصر في معرفة أسبابه وتحديد أعراضه، للقضاء عليها والتخلص منه، وقد ذكر الإمام الماوردي من هذه الدواعي أو الأسباب هو إجتلاب النفع وإستدفاع الضر.
فيرى الكذاب أن الكذب أسلم وأغنم لنفسه قيرخص لنفسه فيه إغترارا بالخدع وإستشفافا للطمع، وأن يؤثر أن يكون حديثه مستعذبا وكلامه مسظرفا، فلا يجد صدقا يعذب ولا حديثا يستظرف، فيستحلي الكذب الذي ليست غرائزه معوزة ولا طرائقه معجزة، وأن يقصد بالكذب التشفي من عدوه، فيسمه بقبائح يخترعها عليه، ويصفه بفضائح ينسبها إليه، وأن تكون دواعي الكذب قد ترادفت عليه حتى ألفها، فصار الكذب له عادة ونفسه إليه منقادة، وكذلك حب الترأس، وذلك أن الكاذب يرى له فضلا على المخبر بما أعلمه، فهو يتشبه بالعالم الفاضل في ذلك، أما أمارات الكذب فمنها أنك إذا لقنته الحديث تلقنه ولم يكن بين ما لقنته إياه، وبين ما أورده فرق عنده، أي أنه يخلط بين ما سمعه منك وما اخترعه من عنده، وأنك إذا شككته في الحديث تشكك حتي يكاد يرجع فيه.
وأنك إذا رددت عليه قوله حصر وإرتبك ولم يكن عنده نصرة المحتجين ولا برهان الصادقين، وما يظهر عليه من ريبة الكذابين، ولذلك قال بعض الحكماء “الوجوه مرايا، تريك أسرار البرايا” وإذا اتسم بالكذب، نسبت إليه شوارد الكذب المجهولة، أي الشائعات وما في حكمها، وأضيفت إلى أكاذيبه زيادات مفتعله حتى يصير هذا الكاذب مكذوبا عليه، فيجمع بين معرة الكذب منه، ومضرة الكذب عليه، ولقد كان الكفار في كفرهم وأهل الجاهلية في جاهليتهم لا يمتطون الكذب ولا يتخذونه منهجا لحياتهم أو بلوغ مآربهم، وهذا أبو سفيان ذهب قبل أن يسلم في ركب من قريش تجار إلى الشام، فلما سمع بهم هرقل ملك الروم بعث إليهم ليسألهم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو سفيان “فوالله لولا الحياء من أن يأثروا عليّ كذبا لكذبت عنه أو عليه” هكذا أيها المؤمنون.
إن الكفار في كفرهم وأهل الجاهلية في جاهليتهم يترفعون عن الكذب، ويستحيون من أن يؤثر عليهم وينسب إليهم، فكيف بكم أنتم أيها المؤمنون وقد حباكم الله تعالى بهذا الدين الكامل الذي يأمركم بالصدق ويرغبكم فيه ويبين لكم نتائجه وثمراته الطيبة، وينهاكم عن الكذب ويحذركم منه ويبين لكم نتائجه و ثمراته الخبيثة، فإن أبا سفيان في حال كفره تنزه أن يوصف بالكذب ولو مرة واحدة مع أنه كان يرى أن له مصلحة في كذبه عما يخبر به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاللهم طهر قلوبنا من النفاق وعملنا من الرياء، وألسنتنا من الكذب، وأعيننا من الخيانة فإنك تعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، اللهم ألف بين قلوبنا، وأصلح ذات بيننا، وإهدنا سبل السلام، ونجنا من الظلمات إلى النور، وجنبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وبارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وقلوبنا.
وأزواجنا وذرياتنا، وتُب علينا إنك أنت التواب الرحيم، واجعلنا شاكرين لنعمك مثنين بها عليك، قابلين لها، وأتممها علينا، اللهم وحد كلمة المسلمين واجمع شملهم، واجعلهم يدا واحدة على من سواهم، اللهم أعز المسلمين واخذل الكفرة المشركين، أعداءك أعداء الدين، اللهم إنا نسألك لولاة أمورنا الصلاح والسداد، اللهم كن لهم عونا وخذ بأيديهم إلى الحق والصواب والسداد والرشاد، ووفقهم للعمل لما فيه رضاك وما فيه صالح العباد والبلاد، سبحان ربنا رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.