
كتبت /منى منصور السيد
في كل عام، ومع حلول شهر ربيع الأول، تتغير ملامح الشوارع المصرية، وتكتسي الأحياء الشعبية حلة جديدة من البهجة والاحتفال. ليس هذا أي احتفال، بل هو المولد النبوي الشريف، مناسبة دينية تتحول في مصر إلى كرنفال اجتماعي فريد، يعكس روح الترابط والتكافل التي تميز المجتمع المصري.
أرى أن المولد النبوي في مصر يتجاوز كونه ذكرى دينية إلى كونه حدثًا اجتماعيًا عميقًا يجسد الهوية الثقافية للمصريين. ففي الأحياء الشعبية، يتحول الاحتفال إلى مسرح تتفاعل فيه كل فئات المجتمع. تبدأ المظاهر الاحتفالية قبل أيام من المولد، حيث تتزين المحال التجارية والمنازل بالأنوار، وتتنوع أشكال الزينة التي تضفي على المكان لمسة خاصة من الفرح.
ولعل أبرز ما يميز هذه المناسبة هو عروسة المولد وحصان المولد، ليسا مجرد لعب للأطفال، بل هما رمزان للتراث الشعبي المصري. تتنافس المحال في عرض أشكالهما المبتكرة، وتتهافت الأسر على شرائهما كجزء أساسي من طقوس الاحتفال، وكهدية محببة للأطفال. هذا التقليد البسيط يحمل في طياته الكثير من المعاني؛ فهو يربط الأجيال الجديدة بتراثها، ويخلق حالة من البهجة التي تملأ القلوب.
لا يقتصر الاحتفال على الزينة والهدايا، بل يمتد ليشمل المأكولات الشعبية، وعلى رأسها حلوى المولد. هذه الحلوى ليست مجرد طعام، بل هي وسيلة للتعبير عن الفرح والمشاركة.
تتجمع الأسر حول مائدة الحلوى، وتتبادل الجيران الأطباق، مما يعزز من علاقات الترابط الاجتماعي. كما تُقام حلقات المديح النبوي في المساجد والساحات العامة،
حيث يتجمع الناس للاستماع إلى قصائد في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم، في جو روحاني يغلفه الهدوء والسكينة. هذه الجلسات تعكس جانبًا مهمًا من التدين الشعبي، الذي يمزج بين الحب الصوفي والاحتفال الجماعي.
من الناحية الاجتماعية، يمثل المولد النبوي فرصة لإحياء قيم التكافل والمساعدة. ففي كثير من الأحياء، تُنظم موائد الرحمن، وتُوزع الأطعمة والحلوى على الفقراء والمحتاجين، في تعبير عملي عن التضامن الاجتماعي. هذه المظاهر ليست مجرد عادات، بل هي ممارسات اجتماعية تعكس أصالة الشعب المصري وكرمه.
يمكن القول إن المولد النبوي الشريف في مصر ليس مجرد ذكرى دينية، بل هو مرآة تعكس روح المجتمع المصري بجميع أبعادها. إنه احتفال يجمع بين الأصالة والمعاصرة، وبين الدين والحياة اليومية، ليؤكد أن المولد النبوي في مصر سيظل دائمًا مناسبة اجتماعية بامتياز، تنبض بالحياة والترابط في قلب كل حي مصري.