
بقلم / محمـــد الدكـــروري
إن الحمد لله الخافض الرافع نحمده أن أنزل القرآن على الناس يتلى وأذهب به عن الأرواح المواجع، يا ربنا لك الحمد على كل حال وواقع، اللهم إنا نشهدك على أنفسنا بأننا نشهد بأنك أنت الله رب كل شيء ورب العرش العظيم، لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك، محمد عبدك ورسولك، اللهم صل وسلم وبارك عليه واجعل له صلاتنا وديعة يا من لا تضيع عنده الودائع، وبعد عباد الله اتقوا الله حق تقاته، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ثم أما بعد إن للوطن فضل كبير علينا، إذ يمنحنا الدفء والأمن والأمان، كما يقدم لنا المأوى الدائم، حيث نأكل من خيرات الأرض التي نعيش عليها، ونعتز ونفتخر ونتباهي به أمام الجميع، كما تمثل أرضه لنا منارة تنير الطريق نحو المستقبل، يستطيع الإنسان بأن يرسم كيانه وسيرته فوقها، فهو السند والإحساس الداخلي بالأمان.
يمنحنا حقوق عدة منها التعليم والمواطنة، ويجب على الأبناء الالتزام بواجبهم نحو الوطن منا يقدم لهم الكثير من الحقوق، فلا بد من أن يعلو رايته والعمل على الرفع من شأنه وحمايته، وكذلك أن يكونوا إيجابيين فضلا عن طلب العلم والإجتهاد، كونه المحور الأساسي لإرتقاء المجتمع وصناعة الثقافة والحضارة، ولا يقتصر معنى الوطن على مكان النشأة والمولد، وإنما هو مكان العيش والإقامة، فالنبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم استوطن المدينة المنورة بعد هجرته من مكة المكرمة مكان ولادته، فيجب تنمية الشعور المتعلق بمحبة الأوطان، ويمكن تنمية هذه المحبة من خلال تربية الإنسان على استشعار فضل الوطن، ومجازاة الوطن بالإحسان، وكذلك مدّ جسور المحبة والمودة بين أبناء الوطن الواحد، والحرص على إيجاد جو من الألفة والأخوة بين أبناء الوطن.
وغرس قيم الانتماء الإيجابي للوطن في النفوس، وتوضيح معاني حب الأوطان، والسعي نحو العيش الكريم على تراب الوطن، ويمكن تحقيق ذلك من خلال أداء كل مواطن لواجباته تجاه وطنه، وأيضا تربية الأبناء على حماية ممتلكات الوطن، والحفاظ على مرافقه، وأمنه، وكذلك المساهمة في خدمته بالقول والعمل والفكر، والوقوف في وجه أي شيء يُخلّ بأمن وأمان الوطن، والعمل على رد ذلك بمختلف الإمكانيات والسبل المتوفرة، والدفاع عن الوطن بمختلف السبل قولا وفعلا، ومن القصص المؤثرة عن حب الوطن تدور حول رجل عجوز يعيش في قرية بسيطة، ويتم عرض عليه فرصة للسفر إلى الخارج مقابل مبلغ كبير من المال، في البداية، يتردد بسبب حب حياته لبلده، لكنه في النهاية يرفض العرض، موضحا أن كنزه الحقيقي ليس المال بل ذكرياته وأهله، وترابه.
يعود الرجل القرية بحزن في البداية، ثم يشعر بالسعادة والفرح وهو يمشي في الطرقات ويحتضن الأرض، مدركا أن وطنه هو أغلى ما يملك، وهذه هي الوطنية، حيث تعرف الوطنية بالشعور وبالتعلق والالتزام لبلد أو أمة أو مجتمع سياسي، وقد يكون المرادف لها ما يسمى بحب الوطن، أما كلمة القومية فهي الولاء لأمة واحدة، إلا أنه أصول الوطنية ترجع إلى حوالي ألفين سنة قبل ظهور القومية في القرن التاسع عشر، حيث إن دولتي اليونان والرومان خاصة في العصور القديمة هما من أعطتا الجذور للوطنية السياسية التي تصور الولاء للوطن كولاء للفكر السياسي للجمهورية، كما ارتبط مفهومها بحب القانون والحرية المشتركة والعمل من أجل المصلحة العامة، وواجب التصرف بشكل عادل تجاه الوطن، فهذا المعنى الروماني الكلاسيكي للوطنية ظهر مجددا.
في كلام رجال الأدب في المدينة الإيطالية في القرن الخامس عشر، حيث أن كلمة الوطنية تمثل الحرية المشتركة لسكان المدينة، ويمكن تقسيم الوطنية إلى نوعين، هما الوطنية المتشددة، والوطنية المعتدلة، حيث تدعي المتشددة أن الولاء الوطني هو المصدر الوحيد لأي مطالب أخلاقية ذات مغزى، لذا فإن محتوى الوطنية هو دائما خاص أو محلي، فالولاء الذي يطالب به الوطنيون هو ببساطة عبارة عن أي قيم تعتبر مهيمنة داخل دولة أو مجتمع، كما ظهر الجزء الأكبر من الكتابات الأخيرة عن الوطنية ضمن الفئة المعتدلة حيث تحاول التوسط بين العالمية والمحلية، وكذلك الوطنية لبلدان أخرى حيث توجد أمثلة تاريخية على الأفراد الذين قاتلوا من أجل استقلال بلادهم، وفي هذا الرأي لا يمكن للوطنية بحكم تعريفها أن تكون إلا تفضيلا للبلد الأم.
وليس تفضيلا للمثل العليا التي يُعتقد أن بلدا ما تقف وراءها، بسبب ذلك تساهم مفاهيم أخرى عن الوطنية في السماح للإنسان الوطني الحقيقي أن ينتقد بلده بسبب فشلها في الارتقاء إلى المثل العليا، كما يمكن أن يصبح وطنيا للدول الأخرى التي تتطابق قضاياها مع قضاياه.