
بقلم – فاديه القاضي
في زمن أصبحت فيه الشاشة نافذة للربح الفوري واللا أخلاقي، نشهد شبابًا وشابات يغرقون في عالم الترند، حيث الشهرة تُقاس بعدد اللايكات والفضائح تُسوَّق كمنتج. هنا، تُباع القيم وتذوب الأخلاق في سوق شهير يركض خلف المال السهل.
شباب يبيعون الأخلاق بثمن “لايك”:
مقاطع “هزلية” سطحية لا تُعد حتى ترفيهًا ولا تحمل أي مضمون، لكنها تُدر أرباحًا وأعداد مشاهدات كبيرة.
فتيات يتاجرن بصورهنّ، وشباب يستخدمون لغة بذيئة ومواقف مخزية لجذب الانتباه.
العار بات وسيلة للكسب: كلما ازدادت الفضيحة، زاد المتابعون، وتضاعفت الأرباح.
منابر للابتذال لا للإبداع:
غرف البث المباشر تحوّلت إلى ساحات للبتر بشهوة الجمهور، حيث يُباع الكلام الخاص والعلاقات تحت وابل من “الهدايا الرقمية”.
محتوى قائم على الرقص الرخيص، المقالب السخيفة، والصراخ يزيد من فقدان قيمة الجدية.
نتيجة ذلك: جيل يظن أن السخرية والابتذال هما طريقا مختصرة للشهرة.
فضائح تهز المجتمع… ووقائع مؤلمة:
في مصر، خلال الأسابيع الماضية، تم توقيف عشرات من مؤثري “تيك توك” القُصَّر، بمن فيهم فتاة تبلغ 19 سنة تملك ملايين المتابعين، متهَّمة بمخالفة “القيم الأسرية” وغسل الأموال بما يُعادل حوالي 300 ألف دولار.
تم رصد أكثر من 150 حالة ملاحقة قانونية بسبب ما وصف بأنه “محتوى غير لائق” من 2018 وحتى اليوم—حتى إن منصات التواصل تحوّلت إلى بؤر للبلاغات والاضطهاد الرقمي.
أكثر من نصف الأطفال في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تعرضوا لانتهاكات جنسية عبر الإنترنت—من محتوى جنسي، ابتزاز، أو تعريضهم لمشاهد لا مناسبة لعمرهم.
أرقام صادمة في ظلال هذا الفساد:
الاقتصاد الرقمي للمحتوى يتجاوز الـ100 مليار دولار عالميًا، مع أكثر من 50 مليون صانع محتوى حول العالم.
المعلنون بدأوا يفضّون دعمهم لمنصات المحتوى الرقمي على الإعلام التقليدي، ومتوقع أن يرتفع دخل هذه الصناعات إلى أسلوب مذهل بأكثر من 300 مليار دولار قبل عام 2030.
في نفس الوقت، الاقتصاد الرقمي قفز ليصبح سوقًا بقيمة 480 مليار دولار قبل 2027.
مجتمع على حافة الانهيار:
الاعتماد على المال السهل ولّد جيلًا لا يعرف معنى الجهد؛ قيم مثل التعليم والسمعة أصبحت ثانوية مقابل المال والإعلانات.
الخصوصية تُستباح، والأخبار الفاضحة تُرَوَّج، والانحراف بات يُنظر إليه على أنه “طبيعي” وسط المراهقين.
مستقبل جيل واعد مهدّد: الشباب يشاهدون كيف تُفكك القيم أمام عيونهم، ويعيشون في ثقافة ترضى بالمال على حساب الكرامة.
التربح من الإنترنت ليس مجرد فرصة اقتصادية، بل أصبح قنبلة أخلاقية موقوتة. شباب وفتيات يبيعون قيمهم، ومحتوى يُحوّل الفضائح إلى أدوات تسويق. إذا لم يكن هناك مواجهة واعية—عائلية، قانونية، إعلامية—سنفقد ليس فقط أخلاقنا، بل جيلًا بأكمله ينجرف نحو “مزاد العار الرقمي”.