أخبار دولية

القوة المصرية الحديثة: كيف تغيّر المؤسسة العسكرية ميزان المنطقة

القوة المصرية الحديثة: كيف تغيّر المؤسسة العسكرية ميزان المنطقة

بقلم د . هاني المصري

لن تفهم مستقبل الشرق الأوسط ما لم تفهم أولًا لماذا لم تسقط مصر عبر آلاف السنين، ولماذا بقيت–رغم كل المنعطفات التاريخية–الدولة الأكثر استقرارًا في محيط لا يعرف الهدوء. السر ليس لغزًا، بل حقيقة جلية: مصر دولة مؤسسات، وعلى رأسها المؤسسة العسكرية.
هذا الجيش، الذي يعدّ الأقدم في التاريخ المكتوب، لم يكن مجرد أداة حرب، بل كان دائمًا العمود الفقري لبقاء الدولة. فحين كانت دول تنهار بمجرد موت قائد، كانت مصر تعيد ترتيب أوراقها، وتواصل مسيرتها لأنها تمتلك مؤسسة تحفظ الدولة لا السلطة، وتحمي الوطن لا الحاكم.
وفي القرن الحادي والعشرين، دخلت المنطقة مرحلة جديدة من التنافس الجيوسياسي، وسقطت دول، وانقسمت أخرى، وظهرت قوى غير دولة تسعى إلى ملء الفراغ. وفي هذا المشهد، لعب الجيش المصري الدور المركزي في صون الدولة من التفكك، وفي حماية مؤسساتها من مصير مشابه لدول الجوار.
ولأجل هذا الدور، كان لا بد من تطوير شامل للبنية الدفاعية المصرية.
لم يكن التحديث العسكري رفاهية، بل ضرورة فرضتها طبيعة التهديدات. ولهذا شهدت السنوات الماضية توسعًا كبيرًا في قدرات الجيش، تمثل في:

تعزيز منظومات الدفاع الجوي . و امتلاك أحدث الأسلحة البحرية في المنطقة . وتطوير قدرات القوات الجوية . وإنشاء قواعد عسكرية عابرة للمحاور . وتحديث منظومات التدريب القتالي . وبناء بنية تحتية عسكرية ولوجستية متكاملة .

وقد أتاح هذا التطور لمصر أن تكون لاعبًا رئيسيًا في أمن البحر الأحمر، وضامنة لمحور شرق المتوسط، وقوة مؤثرة في الأمن العربي. وأكثر من ذلك، جعل القوى المعادية تعيد حساباتها، بعدما أكدت مصر أن جيشها قادر على حماية الدولة في زمن تتغير فيه التحالفات بسرعة.
إن تعزيز القوة العسكرية لم يكن هدفًا بذاته، بل جزءًا من مشروع دولةٍ تعرف أن الاستقرار لا يُصنع بالصدفة، وأن أمن المواطن يبدأ من أمن الحدود. وهكذا أصبح الجيش ليس فقط حصن الدولة، بل شريكًا في التنمية، يسهم في مشروعات البنية التحتية، ويمد يده للدولة المدنية، دون أن يفقد دوره المركزي كمؤسسة ردع واستقرار.
واليوم، تقف مصر على أعتاب مرحلة جديدة:
مرحلة تستند فيها إلى تاريخها العميق، وتستفيد من قوتها العسكرية الحديثة، لتحافظ على مكانتها، ولتحمي أمنها القومي، ولتؤكد مرة أخرى أن الدول التي تُبنى على المؤسسات… لا تسقط.

sdytm165@gmail.com

About Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *