
بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدينـ أما بعد لقد حذرنا الله سبحانه وتعالي من الغش، وإن من أنواع الغش هو الغش في النصيحة، وذلك بعدم الإخلاص فيهان والقصد من بذلها أغراض دنيوية وأغراض دينية، ومن حق الأخوّة بين المؤمنين أن يتفانى الأخ في نصح أخيه ويمحص له ذلك، فالمؤمنون نصحة والمنافقون غششة، والمؤمن مرآة أخيه إذا رأى فيه عيبا أصلحه، والنصيحة تكون بكف الأذى عن المسلمين، وتعليمهم ما يجهلونه من دينهم، وإعانتهم عليه بالقول والفعل، وستر عوراتهم، وسد خلاتهم، ودفع المضار عنهم، بجلب النافع لهم، وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، برفق وإخلاص، والشفقة عليهم.
وتوقير كبريهم، ورحمة صغيرهم، وتخوّلهم بالموعظة الحسنة، وأن يحب لهم ما يحب لنفسه من الخير، ويكره لهم ما يكره لنفسه من المكروه، وروى الحافظ أبو القاسم الطبراني بإسناده أن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه أمر مولاه أن يشتري له فرسا، فاشترى له فرسا بثلاثمائة درهم، وجاء به وبصاحبه لينقده الثمن، فقال جرير لصاحب الفرس وانظر إلى النصيحة فرسك خير من ثلاثمائة درهم، أتبيعه بأربعمائة درهم؟ قال ذلك إليك يا أبا عبد الله، فقال فرسك خير من ذلك أتبيعه بخمسمائة درهم؟ ثم لم يزل يزيده مائة فمائة، وصاحبه يرضى وجرير يقول فرسك خير إلى أن بلغ ثمانمائة فاشتراه بها فقيل له في ذلك فقال إني بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على النصح لكل مسلم، وكما أن من أنواع الغش هو الغش في الرعية.
فعن معقل بن يسار المزني رضي الله عنه أنه قال في مرضه الذي مات فيه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول “ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرّم الله عليه الجنة ” رواه البخاري ومسلم، وأحد لفظي البخاري ” ما من مسلم يسترعيه الله رعية فلم يحطها بنصحه لم يجد رائحة الجنة ” فهذا وعيد شديد يدخل في كل من إسترعاه الله رعيّة سواء كانت صغيرة أم كبيرة، إبتداء من أفراد الأسرة إلى الحاكم، فيجب على الكل النصح لرعيته وعدم غشهم، فالموظف يجب عليه أن ينصح في وظيفته وأن يؤديها على الوجه المطلوب شرعا دون غش ولا خداع، ودون تأخير لأعمال الناس ومصالحهم، وليعلم أنه موقوف بين يدي الله تعالي، فما ولاه الله تعالي هذه الوظيفة إلا ليديم النصح للمسلمين، وكذلك الأب يجب عليه أن ينصح أولاده.
وألا يفرط في تربيتهم بل يبذل كل ما يستطيع ليقي نفسه وأولاده من نار وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد، وقال ابن القيم رحمه الله ” وكم ممن أشقى ولده وفلذة كبده في الدنيا والآخرة بإهماله وترك تأديبه، وإعانته على شهواته، ويزعم أنه يكرمه وقد أهانه، وأنه يرحمه وقد ظلمه، ففاته انتفاعه بولده وفوَّت عليه حظه في الدنيا والآخرة، وإذا إعتبرت الفساد في الأولاد رأيت عامته من قبل الآباء” وإن من أنواع الغش هو الغش في الامتحان، وما أكثر طرقه ووسائله بين الطلاب والطالبات، وسبب ذلك هو ضعف الوازع الديني ورقة الإيمان، وقلة المراقبة لله تعالى أو إنعدامها، وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال “من غشنا فليس منّا” وهذا يعم الغش في المعاملات، والغش في الإمتحان، ويعمّ اللغة الإنجليزية وغيرها.
فلا يجوز للطلبة والطالبات الغش في جميع المواد لعموم هذا الحديث وما جاء في معناه، وإلى كل من وقع في صورة من صور الغش نقول له اتقي الله يا أخي وإستشعر رقابة علام الغيوب، وتذكر عقابه وعذابه، فاللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك، اللهم بفضلك ورحمتك أعل كلمة الحق والدين، وانصر الإسلام، وأعز المسلمين، وأذل الشرك والمشركين، خذ بيد ولاة المسلمين لما تحب وترضى يا رب العالمين، إنك على ما تشاء قدير، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، لا تأخذنا بالسنين، ولا تعاملنا بفعل المسيئين يا رب العالمين.

