مقال

العداء والولاء من أجل الدنيا


بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وإمتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه، وسلم تسليما كثيرا أما بعد لقد أصبحت الدنيا وعمارتها والعيش فيها وجمع الأموال والأولاد والأزواج والكسب الحرام هي الشغل الشاغل الذي ملأ قلوب الكثير من الناس اليوم، بل أصبحت الدنيا هي همهم الأول الذي خلقوا من أجله في إعتقادهم الفاسد الباطل، فإنتشرت بينهم أمراض القلوب وأدوائه فها هو الحسد والحقد والكراهية والبغضاء، وها هي الغيبة والنميمة والشحناء، سادت بين أولئك الناس بسبب حبهم للدنيا وشهواتها وزينتها وزخرفها، فأصبح العداء والولاء من أجل الدنيا، فلا هم لأولئك الأشرار إلا إزالة هذا عن منصبه ووضع ذاك.

ونقل هذا والمجيء بالآخر، لأن هذا من شيعته وذاك من عدوه، وهذا قريبه ومن أبناء جلدته وذاك غريب لايمت له بصلة، وقال الله تعالى ” إن أكرمكم عند الله أتقاكم ” فلا تفاضل بين العباد إلا بالتقوى التي هي أساس الإيمان بالله، فلا فرق بين عربي ولا أعجمي ولا أحمر ولا أسود إلا بالتقوى، أما من أجل القرابة والجماعة والقبيلة فهذه أمور جاهلية أتى الإسلام فقضى عليها فلا تفاخر بالأنساب والأحساب فالناس سواسية عند الله عزوجل، فكما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال ” إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أجسامكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم ” رواه مسلم، فمدار النظر وضابطه القلوب والأعمال، فإذا صلح القلب صلحت النية وكانت خالصة لله في كل أمورها، وبذلك سيصلح الجسد كله بإذن مولاه سبحانه، أما فساد القلب وموته فيتوقف عليه فساد الجسد كله.

فلا ينكر ولا يعرف إلا حب الدنيا وزينتها والصراع من أجلها وهذا وللأسف الشديد هو ديدن كثير من الناس اليوم وكل ذلك من دعوى الجاهلية، ويقول الله تعالى ” وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون ” وكما قال تعالى في سورة يونس” إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون ” ولقد مر النبي المصطفي صلى الله عليه وسلم بالسوق والناس كنفتيه، أي عن جانبيه، فمر بجدي أسك أي صغير الأذن، ميت، فتناوله فأخذ بأذنه، ثم قال أيكم يحب أن يكون هذا له بدرهم ؟ قالوا ما نحب أنه لنا بشئ وما نصنع به ؟

ثم قال أتحبون أنه لكم ؟ قالوا والله لو كان حيا كان عيبا، إنه أسك فكيف وهو ميت، فقال صلى الله عليه وسلم ” فوالله للدنيا أهون على الله من هذا عليكم ” رواه مسلم، فها هي الدنيا في كامل زينتها وأبهى حلتها وأجمل بهجتها تعرض نفسها لخاطبيها ومشتريها وحق لها ذلك، لكثرة الغافلين واللاهين والعابثين والخاطبين والمشترين، فكم نشاهد اليوم من تهافت كثير من الناس على هذه الدنيا الفانية، وزهدهم في الآخرة الباقية، وما ذاك إلا لبعدهم عن معرفة الحقيقة، والبعد عن منهج الله تعالى والخوف منه سبحانه، فتهافتوا وتنافسوا وتصارعوا من أجل الدنيا وبهرجتها، اشرأبت نفوسهم حب الدنيا والركون إليها، فتاقت لها قلوبهم وهوت إليها أفئدتهم فأصبحت محط أنظارهم على اختلاف أجناسهم وطباعهم، رضوا بالحياة الدنيا من الآخرة فكانت الويلات والنقمات هنا وهناك.

وأصبح الكثير من الناس لا يحب ولا يكره إلا من أجل الدنيا، ولا يوالي ولا يعادي إلا من أجلها، أما الله الواحد القهار فلا يوالون ولا يعادون فيه أبدا وهذا هو الجهل العظيم والخطب الجسيم، نسوا الله فنسيهم وأنساهم أنفسهم، تركوا الآخرة والعمل لها وركنوا إلى الدنيا وزخرفها.

sdytm165@gmail.com

About Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *