مقال

السيطرة على قليلي العلم والحكمة


بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله القائل في كتابه “يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما” والصلاة والسلام على رسوله القائل ” من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت ” ثم أما بعد، إن العلماء الكبار يجب عليهم أن يحجروا على قليلي العلم والحكمة حتى لا يورود الناس مزالق الانحراف بقلوب مطمئنة ومواطن الفتن بدليل “ويحل لهم الطيبات” فقيل متى يصل العطاش إلى إرتواء، إذا استقت البحار من الركايا، ومن يثني الأصاغر عن مراد وقد جلس الأكابر في الزوايا؟ وقد أشبع أهل العلم الرد على هذه المسألة وفي كلامهم الكفاية عن الهرطقات والغرائب الشاذة وتتمة للفائدة قال الإمام ابن القيم رحمه الله في كتابه إغاثة اللهفان، وإذا كان الزمر، الذي هو أخف آلات اللهو، حراما، فكيف بما هو أشد منه؟

كالعود والطنبور واليراع، ولا ينبغي لمن شم رائحة العلم أن يتوقف في تحريم ذلك، فأقل ما فيه أنه من شعار الفساق وشاربي الخمور، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه الفتاوى، حين سأل عن السماع والمعازف وفي إيراده رد على الكلباني فمن فعل هذه الملاهي على وجه الديانة والتقرب فلا ريب في ضلالته وجهالته، وأما إذا فعلها على وجه التمتع والتلعب فمذهب الأئمة الأربعة أن آلات اللهو كلها حرام فقد ثبت في صحيح البخاري وغيره أن النبي المصطفي صلى الله عليه أخبر أن سيكون من أمته من يستحل الحر والحرير والخمر والمعازف وذكر أنهم يمسخون قردة وخنازير، والمعازف هي الملاهي كما ذكر ذلك أهل اللغة، جمع معزفة وهي الآلة التي يعزف بها، أي يصوت بها ولم يذكر أحد من أتباع الأئمة في آلات اللهو نزاعا، إلا أن بعض المتأخرين من أصحاب الإمام الشافعي.

ذكر في اليراع وجهين بخلاف الأوتار ونحوها، فإنهم لم يذكروا فيها نزاعا، وأما العراقيون الذي هم أعلم بمذهبه وأتبع له، فلم يذكروا نزاعا لا في هذا ولا في هذا، بل صنف أفضلهم في وقته أبو الطيب الطبري شيخ أبي إسحاق الشيرازي في ذلك مصنفا معروفا ولكن تكلموا في الغناء المجرد عن آلات اللهو هل هو حرام؟ أو مكروه؟ أو مباح؟ وذكر أصحاب الإمام أحمد لهم ذلك ثلاثة أقوال، وذكروا عن الشافعي قولين ولم يكذروا عن أبي حنيفة ومالك نزاعا، وذكر زكريا بن يحيى الساجي وهو أحد الأئمة المتقدمين المائلين إلى مذهب الشافعي أنه لم يخالف في ذلك من الفقهاء المتقدمين إلا إبراهيم بن سعد من أهل البصرة، أي في الغناء المجرد عن آلات اللهو، وما ذكره أبو عبد الرحمن السلمي وأبو القاسم الشقيري وغيرهما عن مالك وأهل المدينة في ذلك فغلط.

وإنما وقعت الشبهة فيه، لأن بعض أهل المدينة كان يحضر السماع إلا أن هذا ليس قول أئمتهم وفقهائهم، بل قال إسحاق بن عيسى الطباع سألت مالك عما يترخص فيه أهل المدينة من الغناء فقال إنما يفعله عندنا الفساق، وهذا معروف في كتاب أصحاب مالك، وهم أعلم بمذهبه ومذهب أهل المدينة من طائفة المشرق لا علم لها بمذهب الفقهاء، ومن ذكر عن مالك أنه ضرب بعود فقد افترى عليه، وقد نبهت المصادر على هذا لأن فيما جمعه أبو عبد الرحمن السلمي ومحمد بن طاهر المقدسي في ذلك حكايات وآثار يظن من لا خبرة له بالعلم وأحوال السلف أنها صدق، وكان الشيخ أبو عبد الرحمن رحمه الله فيه من الخير والزهد والدين والتصوف ما يحمله على أن يجمع من كلام الشيوخ والآثار التي توافق مقصوده كل ما يجده، فلهذا يوجد في كتبه من الآثار الصحيحة.

والكلام المنقول ما ينتفع به في الدين، ويوجد فيها من الآثار السقيمة والكلام المردود ما يضر من لا خبرة له وبعض الناس توقف في روايته، حتى أن البيهقي كان إذا روى عنه يقول حدثنا أبو عبد الرحمن من أصل سماعه، وأكثر الحكايات التي يرويها أبو القاسم القشيري صاحب الرسالة عنه فإنه كان أجمع شيوخه لكلام الصوفية، وذكرت المصادر أن محمد بن طاهر له فضيلة جيدة من معرفة الحديث ورجاله وهو من حفاظ وقته لكن كثير من المتأخرين أهل الحديث وأهل الزهد وأهل الفقه وغيرهم إذا صنفوا في باب ذكروا ما روى فيه من غث وسمين ولم يميزوا ذلك، والمقصود هنا أن نذكر عن سلف الأمة وأئئمتها من المنقولات وينبغي للإنسان أن يميز بن صحيحه وضعيفه كما ينبغي مثل ذلك في المعقولات والنظريات وكذلك في الأذواق والمواجيد والمكاشافات والمخاطبات.

فإن كل صنف من هذه الأصناف الثلاثة فيها حق وباطل ولا بد من التمييز في هذا وهذا، وليس المقام إستقصاء فما شيد الكلباني سوى بيت من طين على سيف البحرلا تلبث الأمواج أن تهده وتسويّه “كأن لم تغني بالأمس”

sdytm165@gmail.com

About Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *