مقال

السلام وفن التفاوض في المناطق المشتعلة

السلام وفن التفاوض في المناطق المشتعلة

كتب / الأديب أحمد أمين عثمان
في خرائط العالم التي تتقيح جراحها مع كل بزوغ فجر تبقى المرأة والطفل وكبار السن هم الحلقة الأضعف في سلسلة الصراع والإنتهاكات والضحية التي لا تحمل سلاحا ولا تملك قرارا لكنها تدفع الثمن كاملا.

وحين يشتعل المكان وتتعالى أصوات الرصاص فوق صراخ البشر يصبح السلام ليس شعارا نظريا بل ضرورة وجودية يصبح كشربة ماء وملاذا آمنا وحقا أنسانيا لا يقبل المساومة.

هنا ينهض فن التفاوض كقيمة أخلاقية وسياسية وكأداة إنقاذ قبل أن يكون وسيلة لتحقيق المكاسب.

فالتفاوض في المناطق المشتعلة ليس طاولة من الخشب ولا قاعة مغلقة بل هو مساحة من الحكمة وسط الرماد ونافذة صغيرة يطل منها الضوء على من تبقى من أحلام البشر.

وهو فعل شجاع يتطلب عقلا حكيما باردا وقلبا دافئا لان الهدف الأول فيه هو حماية من لا يستطيع حماية نفسه.

ولعل أصعب ما في التفاوض هو صياغة اللغة التي تواجه العنف دون أن تقع في فخه.

لغة لا تستفز المعتدين ولا تستسلم لهم بل تضع أمامهم مرآة أنسانية تعيد تذكيرهم بما ينسونه في لحظات الغضب إن خلف كل طلقة هناك جسد هش لإمرأة أو طفل يبحث فقط عن حضن أم ورعاية أب وكسرة خبز.

هذه اللغة هي المفتاح الذي يفتح مساحة للإتفاق حتى لو كانت ضيقة.

كما إن نجاح التفاوض في المناطق المشتعلة لا يتحقق إلا حين تتقدم المرأة في مشهد السلام فوجودها ليس مجرد رمز بل ضرورة فالمرأة التي تتقاطع في داخلها قيم الحياة والرعاية قادرة على إحداث توازن أخلاقي على طاولات الحوار وقادرة كذلك على كشف زوايا الوجع التي قد يغفلها السياسيون.

وفي دول عديدة اثبتت الوسيطات من النساء قدرة لافتة على تهدئة التوتر وفتح مسارات جديدة للحوار.

أما الطفل فهو البوصلة الأخلاقية للتفاوض كله حين يضع المفاوضون صورته أمام أعينهم يتغير مسار النقاش ويتقدم الضمير خطوة إلى الأمام.

فكل إتفاق لا يضمن له التعليم والغذاء والأمان هو اتفاق ناقص وكل هدنة لا تحمي مدرسته من القصف هي هدنة عرجاء.

وفي عمق هذا المشهد المتداخل تبقى المنظمات الإنسانية والهيئات الدولية أداة دعم لا غنى عنها فهي التي توفر الحماية القانونية وتراقب الإنتهاكات وتؤمن الممرات التي تعبر من خلالها النساء والأطفال إلى بر الأمان. غير أن نجاحها يظل مرهونا بوعي المجتمعات المحلية وقدرتها على تبني ثقافة السلام ورفض ثقافة الثأر.

ان السلام في المناطق المشتعلة ليس قرارا سريعا بل عملية معقدة تتشابك فيها السياسة والأخلاق والمصالح والأمال والأطماع .

لكن حماية المرأة والطفل تظل بوصلة هذه العملية وغايتها النهائية، لان العالم الذي لا يؤمنهما لا يمكن أن يدعي أنه يسعى نحو مستقبل أفضل بدونهم.

ويبقى فن التفاوض هو الحافة التي تتكئ عليها الإنسانية كي لا تسقط في هاوية العنف هو الجسر الذي يعبر به الضعفاء من الظلم والهلاك إلى الضوء وهو شهادة على أن صوت العقل مهما خفت قادر على أختراق أعلى هدير للرصاص والسلام حين يولد من هذا الجهد لا يكون مجرد وثيقة بل صيانة و ولادة جديدة للحياة نفسها أجنحوا للسلم والسلام.

sdytm165@gmail.com

About Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *