
بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله الذي جعل حب الوطن أمرا فطريا والصلاة والسلام على من أرسله الله تعالى رسولا ونبيا وعلى آله وصحابته والتابعين لهم في كل زمان ومكان، أما بعد ذكرت المصادر السياسية التاريخية الكثير عن سعي الغرب إلي الحروب الفكرية ضد بلاد الإسلام وأهله، ومن يلاحظ إصرار الأمريكيين وحلفائهم على المضي في حرب الأفكار ربما يظن أنهم يملكون مزيد ثقة فيما عندهم، أما نحن فيقيننا أنهم ليس لديهم من يقين إلا ما يقبع خلف الشك والحقد الدفين، لذلك فإنهم حتى وإن دعا بعضهم إلى حوار في بعض الأحيان، فإن حوارهم المقترح هو نفسه جزء من حرب الأفكار، إذ ليس لدى أكثرهم وهم يحاوروننا رغبة في الإنصات أو الإنصاف، إنما يستمعون إذا استمعوا لنخرج ما عندنا كي يلقوا عليه ما عندهم، ولقد طالب الكاتب الأمريكي الأشهر اليوم في العالم توماس فريدمان.
بما أسماه حوار الأفكار بين الولايات المتحدة وبين شعوب العالم العربي والإسلامي، بعد أن لاحظ أن أمريكا تفقد مصداقيتها بشكل مقلق بين تلك الشعوب، ولكن هل يقصد فريدمان الحوار حقا؟ إنه مع دعوته البريئة للحوار، لم يستطع أن يخفي ما وراءها من مآرب وأسرار، فليس إضاعة الأوقات وتمرير المخططات هو فقط المراد من هذا الحوار، وإنما إستغلال أرضية الحوار لتأسيس مزيد من الركائز الحامية لمصالح أمريكا وحلفائها وعملائها، ولهذا إشترط أن يلتزم العرب مع أمريكا في ظل ذلك الحوار بثلاثة أمور، وهي إستمرار تزويد أمريكا بالنفط، والحفاظ على انخفاض سقف أسعاره، وتحسين المعاملة مع إسرائيل، وقال إذا حصلنا من العرب على هذه الأمور الثلاثة، فلسنا معنيين بشيء من أمورهم حتى ولو كان يتنافى مع الأفكار الأمريكية المعلن.
وإن الالتزام العربي الذي يطالب به فريدمان، هو لضمان إستمرار قوة وقدرة أمريكا وحليفتها في مقابل ضعفنا وعجزنا، ومع ذلك تظل حرب الأفكار معلنة حتى تحت شعار الحوار، ولقد طالب توماس فريدمان أيضا في دعوته للحوار، بأن تكثف أمريكا سياسة تغيير الأفكار بين شعوب الشرق الأوسط، واقترح عليها مثلا أن تمنح خمسين ألف تأشيرة دراسية لطلاب عرب للقدوم إليها، ليكونوا هدفا للتأثير الفكري المباشر، وما هي المهام التي يمكن أن يكلف بها خمسون ألفا من العملاء الفكريين لأمريكا، إذا عادوا منها وقد رضعوا لبنها وأتخموا بلحمها، وسمنوا بسمومها؟ وهل هذا يسمى حوار أفكار، أم تجنيد أنصار؟ وفي إطار المقترحات في حرب الأفكار أيضا، كان مدير الإتصالات في البيت الأبيض تاكر إسكيو، قد وضع خطة لنشر الأفكار والمفاهيم والقيم الأمريكية.
كللت وقتها بتأسيس قناة الحرة الأمريكية اللاكنة بالعربية، وكذلك إذاعة سوا، من أجل مخاطبة العرب بألسنة أمريكية ناطقة بالعربية، وقد قال تاكر عند تأسيسه لهذه الوسائل الحربية الفكرية إننا نملك المال ونملك الخبرة ونملك الأفكار، ولن يستطيع أحد أن يقف أمامنا، لكن التجربة أثبتت أن الأمريكيين وإن كانوا يملكون المال والخبرة، فإنهم لا يملكون الحكمة والفكرة، ولذلك ظلت وسائلهم فاشلة، ولم تجذب إلا المجاذيب، ولم تفتن إلا المفتونين الذين يصدقون دعايات أمريكا في مزاعم الحرية والديموقراطية وإحترام الإنسان، وإن مئات الملايين من الدولارات التي أنفقت ولا تزال تنفق لإطفاء نور الوحي لم تزده إلا وهجا وضياء، فهناك عدد من مراكز الأبحاث المتخصصة في شؤون الشرق الإسلامي المسمى بالشرق الأوسط مثل مركز امريكان أنترابرايز.
الذي يهيمن عليه المحافظون اليهود الجدد، ومعهد بروكنجر، ومعهد كارنيجي، ومعهد الشرق الأوسط الذي يعرّف منطقة الشرق الأوسط بالأراضي الممتدة من أفغانستان إلى المغرب العربي، وهذه المراكز ترصد لها ميزانيات بالملايين سنويا لأنهم لا ينتظرون منها أرباحا إلا إثبات النجاح في إختراق حصوننا، من الداخل أو الخارج، وقد تم رصد لمعهد الشرق الأوسط وحده، ميزانية وقتها من عام ألفان تصل إلى مليون دولار سنويا، وهي ميزانية تجيء من أرباح وقفية، وقفتها على ذلك المركز شركات عديدة كبرى مثل شركة أرامكو وكوكا كولا، وشل، وبوينج، والشركة الكويتية للنفط، ويرأس المعهد إدوارد ووكر السفير الأمريكي السابق في تل أبيب ومصر، لكن نتائج جهود تلك المراكز تعكس حتى الآن الفشل والخيبة والخذلان.