
بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله العظيم في قدره، العزيز في قهره، العليم بحال العبد في سرّه وجهره، يسمع أنين المظلوم عند ضعف صبره، ويجود عليه بإعانته ونصره، أحمده على القدر خيره وشره، وأشكره على القضاء حلوه ومره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الآيات الباهرة، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ما جاد السّحاب بقطره، وطلّ الربيع بزهره، وسلم تسليما كثيرا، ثم أما بعد ذكرت المصادر الإسلامية الكثير عن آداب العلاقات، ولقد برز في كل دقائق حياة النبي المصطفي محمد صلي الله عليه وسلم العنصر الأخلاقي، كعنصر مؤثر تماما على كل إختيار من إختياراته صلى الله عليه وسلم، فلا يخلو حقيقة أي قول أو فعل له صلى الله عليه وسلم من خلق كريم، وأدب رفيع، بلغ إلى هذه الذروة، ووصل بلا مبالغة إلى قمة الكمال البشري.
الأمر الذي نستطيع أن نفهم منه قوله صلى الله عليه وسلم ” إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ” وهكذا فلا يخلو موقف ولا حدث ولا قول ولا رد فعل من بروز واضح لهذه الأخلاق الحميدة، حتى في المواقف التي يصعب فيها تصور الأخلاق كعامل مؤثر، وذلك كأمور الحرب والسياسة، والتعامل مع الظالمين والفاسقين والمحاربين للمسلمين والمتربصين بهم، ولقد كان من المستحيل عند أهل السياسة والإقتصاد والحرب والقضاء أن يضبطوا تعاملاتهم في هذه المجالات بالضوابط الأخلاقية والإنسانية، ولكن جاءت حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، وسيرته العطرة لتنطق في كل لفتة من لفتات حياته بالالتزام بتلك الضوابط، ولا غرو، فهذا الخلق هو الذي وصفه الله تعالى بالعظمة، حيث قال في وصفه ” وإنك لعلي خلق عظيم “
ولقد أثبتت سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم أن الإلتزام بالقواعد الإسلامية المثالية التي وردت في كتاب الله تعالى ليس ضربا من الخيال، أو تحتاج إلى عالم مثالي خالي من الشر والرذائل، بل هو أمر ممكن لأنها قواعد واقعية إضافة إلى كونها مثالية، قواعد يمكن تطبيقها والحياة بها كما إستطاع الرسول صلى الله عليه وسلم أن يحيا بها، ولأنها هي أصلح القواعد لتنظيم حياة البشر، وأنها الدليل الواضح لمن أراد الهداية بصدق، كما كانت حياته صلى الله عليه وسلم ترجمة صادقة لكل أمر إلهي، وقد صَدَقَت ووفقت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في وصف أخلاقه صلى الله عليه وسلم عندما قالت ” كان خلقه القرآن” ولكن لأنه ليس كل من يرى يبصر فإن هذه الأخلاق العظيمة، والشمائل الجليلة لم تمنع نفرا من البشر أن ينكروا فضل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ويكذبون ما علمه جميع البشر من جميل خلاله، بل ساقهم الكبر والعناد إلى التطاول على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والإساءة إليه وهذا النكران والجحود لفضل رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس له من سبب إلا الحقد أو الجهل، فالحاقد لا ينقصه علم ولا دراية، وإنه رأى الحق بوضوح، ولكنه آثر طواعية أن يتبع غيره، أما لماذا خالف وأنكر فلأسباب كثيرة فهذا محب لدنياه، وذاك مؤثر لمصالحه، وهؤلاء يتبعون أهواءهم، وأولئك يغارون ويحسدون، إنها طوائف منحرفة من البشر لا ينقصها دليل، ولا تحتاج إلى حجة، وفيهم قال ربنا تبارك وتعالى ” وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا فانظر كيف كان عاقبة المفسدين ” وهذه الطائفة موجودة في كل زمان، وهم أعداء الصلاح وأهله أينما كانوا، وهم الذين ينشرون الفحشاء، ويروجون للموبقات.

