مقال

ورثة الأنبياء وسادة الأمة


بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله الذي كان بعباده خبيرا بصيرا، وتبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا، وتبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا، ثم أما بعد اعلموا أن من حقوق العلماء علينا هو نشر علومهم ومصنفاتهم، ومحاولة مساعدتهم ومؤازرتهم، فإنهم بضخامة أعبائهم أحوج ما يكون إلى المؤازرة والمساعدة، والحماس والتشجيع، وإعانتهم على القيام بواجبهم، وقد كان سلف الأمة على وعيٍ كبير بهذا الأدب العظيم، فكانوا يجلون العلماء ويحترمونهم، ويحفظون لهم وزنهم ومقدارهم، فعن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما، أنه أخذ بركاب ناقة زيد بن ثابت رضي الله عنه، وقال “هكذا أمرنا أن نفعل لعلمائنا وكبرائنا” ويقول الإمام أبو حنيفة رحمه الله عن شيخه حماد بن أبي سليمان.

“ما صليت صلاة منذ مات حماد إلا إستغفرت له مع والدي، وإني لأستغفر لمن تعلمت منه علما أو علمته علما” وكان الإمام أحمد بن حنبل يكثر من الدعاء لأستاذه الشافعي فيقول “إني لأدعو الله للشافعي في صلاتي منذ أربعين سنة، أقول اللهم اغفر لي ولوالدي ولمحمد بن إدريس الشافعي” ولما سأله ابنه عن سبب دعائه قال “يا بني كان الشافعي كالشمس للدنيا، وكالعافية للناس، فانظر هل لهذين من خلف، أو عوض؟” ودخل هارون بن زياد وهو مؤدب الواثق على الواثق، فأكرمه، وأظهر من برّه ما شهر به، فقيل له من هذا يا أمير المؤمنين الذي فعلت به ما فعلت؟ قال هذا أول من ‌فتق ‌لساني ‌بذكر الله عز وجل، وأدناني من رحمة الله عز وجل، وهم أولياء الله الذين من عاداهم، فقد آذن الله تعالى، وبارزه بالعداوة والحرب، هم ورثة الأنبياء، وسادة الأمة.

وأدلاء العالمين إلى سعادة الدنيا والآخرة، واعلم أنه لا يكون الرجل عالما إلا إذا تحققت فيه صفتان الأولى هو العلم، والعلم قال الله قال رسوله قال الصحابة هم أولو العرفان، العلم ما كان فيه حدثنا وما سواه فوسواس الشياطين، والعلم هو الدليل، فمن فارق الدليل، فقد ضلّ سواء السبيل، ولا دليل إلى الله والجنة سوى الكتاب والسنة، وكل طريق لم يصحبها دليل القرآن والسنة، فهي طريق الجحيم والشيطان الرجيم، وأما عن الثانية هو الخشية والتقوى والورع، وهو ما نسميه العمل بالعلم، كما قال ابن مسعود رضي الله عنه “ليس العلم عن كثرة الحديث، إنما العلم الخشية” وقال سفيان الثوري “العلماء إذا علموا عملوا، وإذا عملوا شغلوا، وإذا شغلوا فقدوا، وإذا فقدوا طلبوا، وإذا طلبوا هربوا” واعلموا أن إجلال الكبير هو حق سنّه لكونه تقلب في العبودية لله في أمد طويل، ورحمة الصغير موافقة لله.

فإنه رحمه ورفع عنه العبودية، ومعرفة حق العالم هو حق العلم، بأن يعرف قدره بما رفع الله من قدره فإنه قال ” يرفع الله الذين أمنوا منكم ” ثم قال ” والذين أوتوا العلم درجات ” فيعرف له درجته التي رفعها الله تعالي له بما آتاه من العلم، فأوصيكم ونفسي المقصرة أولا بتقوى الله فبها ترفع الدرجات، وتكفر السيئات، واعلموا أن الكبر في السن سنة الله تعالي في خلقه وكلنا سائرون نحو تلك المراحل، والموفق من تذكر ضعفه وفقره، وأحسن إلى ضعفاء الناس وشيوخهم، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” ليس منا من لم يوقر كبيرنا، ويرحم صغيرنا، ويعرف لعالمنا حقه ” رواه أحمد، والكبار هم جمرة الحياة، وهم من تعبوا وسهروا وقدموا، هم من بنوا وغرسوا فنحن اليوم نجني ثمارهم، فكيف نقابل إحسانهم؟ هل بالهجر والإهمال، أم بالبر والإكرام؟

ويقول النبي صلى الله عليه وسلم ” إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم ” رواه أبو داود، فإكرام الكبير عبادة ورِفعة، وقربة إلى الله، فتخيل أن والديك أو أحد كبار أهلك يقف عند باب غرفتك، يناديك فلا تجيب، أو يتمنى جلوسك ساعة فلا تجد وقتا له، ألا تخشى أن يأتي يوم تنادي فيه أبناءك، فلا يجيبونك؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” برّوا آباءكم تبرّكم أبناؤكم ” رواه الطبراني، فالبر دين، وسلوك يرتد إلينا، وما نزرعه اليوم في كبارنا، سيحصده غدا صغارنا فينا.

sdytm165@gmail.com

About Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *