مقال

وجوب الحكم بالظاهر في الإسلام


بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله، وكفى وسمع الله لمن دعا، وبعد، فاتقوا الله عباد الله حق التقوى، وتمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى، واعلموا أن في الدين عصمة أمركم، وحسن عاقبتكم أما بعد ذكرت المصادر الإسلامية الكثير عن جريمة القتل والدماء ومنها هو موقف الصحابي الجليل أسامه بن زيد رضي الله عنه عندما قتل الرجل اليهودي بعدما قال لا إله إلا الله، وفي رواية لأبي داود قال له رسول الله صلي الله عليه وسلم ” أقتلته بعدما قال لا إله إلا الله” قال قالها خشية من السيف، فقال له ” أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم من أجل ذلك قالها أم لا؟” وهذا الحديث والموقف النبوي مع أسامة بن زيد رضي الله عنه فيه دلالة واضحة على وجوب الحكم بالظاهر والتحذير الشديد من تجاوز الظاهر إلى السرائر، والحكم على ما في القلوب دون بينة ودليل، وقال الخطابي “فيه من الفقه أن الكافر إذا تكلم بالشهادة.

وإن لم يصف الإيمان وجب الكفّ عنه والوقوف عن قتله سواء أكان بعد القدرة أم قبلها” وقال ابن حجر “وفيه دليل على ترتب الأحكام على الأسباب الظاهرة دون الباطنة” وقال الإمام النووي وقوله “أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا؟” الفاعل في قوله أقالها هو القلب، ومعناه أنك إنما كلفت بالعمل بالظاهر وما ينطق به اللسان، وأما القلب فليس لك طريق إلى معرفة ما فيه، فأنكر عليه إمتناعه من العمل بما ظهر باللسان، وقال “أفلا شققت عن قلبه” لتنظر هل قالها القلب وإعتقدها وكانت فيه أم لم تكن فيه بل جرت على اللسان فحسب، يعني وأنت لست بقادر على هذا فاقتصر على اللسان فحسب، يعني ولا تطلب غيره، وقوله صلى الله عليه وسلم ” أفلا شققت عن قلبه” فيه دليل للقاعدة المعروفة في الفقه والأصول أن الأحكام يعمل فيها بالظواهر، والله يتولى السرائر.

وقول أسامة رضي الله عنه ” حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ” معناه لم يكن تقدم إسلامي بل إبتدأت الآن الإسلام ليمحو عني ما تقدم، وقال هذا الكلام من عظم ما وقع فيه” وروى الإمام مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في قصة الرجل الذي قال للنبي صلى الله عليه وسلم اتق الله، وذلك لما قسّم النبي صلى الله عليه وسلم ذهيبة ” قطعة ذهب صغيرة ” بعث بها علي بن أبي طالب رضي الله عنه من اليمن على المؤلفة قلوبهم، فقال خالد بن الوليد رضي الله عنه وكم من مصلّ يقول بلسانه ما ليس في قلبه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس، ولا أشق بطونهم، وقال الإمام النووي معناه إني أمرت بالحكم بالظاهر والله يتولى السرائر” وقال ابن حجر كلهم أجمعوا على أن أحكام الدنيا على الظاهر والله يتولى السرائر”

وقال الشوكاني “لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس” فإن ذلك يدل على قبول ظاهر التوبة وعصمة من يصلي، فإذا كان الزنديق قد أظهر التوبة وفعل أفعال الإسلام كان معصوم الدم” وعن عبيد الله بن عدي رضي الله عنه قال إن رجلا سارّ رسول الله صلى الله عليه وسلم “كلمه سرا” فلم ندر ما سارّه به حتى جهر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا هو يستأمر في قتل رجل من المنافقين، فجهر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أليس يشهد أن لا إله إلا الله؟ قال الأنصاري بلي يا رسول الله، ولا شهادة له، قال أليس يشهد أن محمدا رسول الله؟ قال بلي ولا شهادة له، قال أليس يصلي؟ قال بلى ولا صلاة له، قال أولئك الذين نهاني الله عن قتلهم” رواه أحمد، قال القاضي عياض ” وهذا بخلاف إجراء الأحكام الظاهرة عليهم من حدود الزنا والقتل لظهورها بالشهادة الشرعية”

وقال الشوكاني ” وفيه دلالة على أن الواجب المعاملة للناس بما يُعرف من ظواهر أحوالهم من دون تفتيش وتنقيش، فإن ذلك مما لم يتعبدنا الله به، ولذلك قال “إني لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس” وقال لأسامة لما قال له إنما قال ما قال يا رسول الله تقية يعني الشهادة “هل شققت عن قلبه؟” وإعتباره صلى الله عليه وسلم لظواهر الأحوال كان ديدنا له في جميع أموره”

sdytm165@gmail.com

About Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *