أخبار دولية

واشنطن تشعل سماء سوريا انتقاما لجنودها


كتب ضاحى عمار
في تصعيد عسكري لافت يعكس تحوّلًا نوعيًا في قواعد الاشتباك داخل الساحة السورية، بدأت الولايات المتحدة عملية واسعة النطاق ضد تنظيم داعش، ردًا على مقتل جنود أمريكىين في هجوم استهدف قافلة عسكرية قرب مدينة تدمر، في واقعة أعادت الملف السورى إلى صدارة المشهد الإقليمى والدولى، وفتحت الباب أمام تساؤلات تتعلق بحدود التنسيق الأمنى الجديد بين واشنطن ودمشق.


وعلى امتداد ساعات متواصلة، نفذت القوات الأمريكية ضربات دقيقة شملت عشرات الأهداف المصنفة عالية الخطورة، استهدفت بنية التنظيم التحتية ومخازن أسلحته ونقاط تمركز عناصره في مناطق متفرقة بوسط سوريا، في عملية وُصفت داخل دوائر عسكرية بأنها الأكبر منذ أشهر، والأكثر حسمًا من حيث الرسائل السياسية والعسكرية.


وبحسب مصادر مطلعة، جرى تنفيذ الهجوم عبر تشكيل جوى وبرى متكامل، شاركت فيه مقاتلات إف-15 وطائرات إيه-10 المتخصصة في الإسناد الأرضى، إلى جانب مروحيات أباتشى وراجمات هيمارس، مع دعم لوجستى إقليمى، ما يعكس استعدادًا أمريكىًا لرفع مستوى العمليات دون الانزلاق إلى مواجهة مفتوحة.


ومن واشنطن، أكدت وزارة الدفاع أن الضربات ليست إعلان حرب، لكنها رسالة ردع مباشرة، هدفها حماية القوات الأمريكية المنتشرة داخل الأراضى السورية، ومنع التنظيم من إعادة بناء قدراته أو استغلال الفراغات الأمنية، خاصة في المناطق الصحراوية الممتدة بين حمص ودير الزور.


ويرى اللواء أشرف فوزى، الخبير الأمنى، أن العملية تحمل بعدين متوازيين، الأول عسكرى يتعلق بتوجيه ضربة قاصمة لخلايا داعش النشطة، والثانى سياسى يستهدف تثبيت قواعد ردع جديدة، موضحًا أن “التحرك السريع والحجم الكبير للضربات يؤكدان أن واشنطن لن تتسامح مع أى تهديد مباشر لقواتها، مهما كانت الجهة أو الظرف”.


وفي السياق ذاته، أشار فوزى إلى أن توقيت العملية يعكس إدراكًا أمريكىًا لحساسية المرحلة، خاصة مع الحديث عن ترتيبات أمنية جديدة في سوريا، مضيفًا أن التعاون الميدانى مع الحكومة السورية الحالية يمثل تطورًا غير مسبوق، قد ينعكس على خريطة التحالفات داخل الملف السورى.


وعلى الصعيد السياسى، اعتبر عدلى الهوارى، أمين حزب الغد والمحلل السياسى، أن الضربات الأمريكية تتجاوز إطار الرد الانتقامى، لتدخل في سياق إعادة التموضع الإقليمى، قائلًا إن “واشنطن تسعى لإعادة تأكيد حضورها كلاعب أساسى في مكافحة الإرهاب، وفي الوقت نفسه توجيه رسائل طمأنة لحلفائها، ورسائل تحذير لخصومها”.


وأوضح الهوارى أن المشهد الحالى يعكس تقاطع مصالح مؤقت بين واشنطن ودمشق، قائم على أولوية مواجهة التنظيمات المتطرفة، لكنه يظل مرهونًا بتوازنات معقدة، قد تتغير بتغير الإدارة الأمريكية أو تطورات الداخل السورى.


ومع استمرار الغارات، تبرز مخاوف من تداعيات ميدانية محتملة، سواء على مستوى تحركات التنظيم أو على مستوى ردود فعل أطراف إقليمية فاعلة داخل سوريا، في وقت تؤكد فيه واشنطن أن عملياتها ستستمر طالما استمر التهديد.


وبين حسابات الردع ومتطلبات الأمن، يبدو أن الساحة السورية مقبلة على مرحلة جديدة، تتداخل فيها العمليات العسكرية مع الرسائل السياسية، وسط معادلة معقدة تحكمها المصالح أكثر مما تحكمها الشعارات، في مشهد لا يزال مفتوحًا على كل الاحتمالات.

osama elhaowary

About Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *