بقلم الإعلامية: ميرفت شوقي صالح

نحن لا نكبر لأن الأرقام تتغيّر في سجلات العمر، ولا لأن السنوات تمضي من تقويمٍ إلى آخر… نحن نكبر حين تهزّنا التجارب وتوقظ في داخلنا أعماقًا لم نكن نعرفها. نكبر حين تمتحننا الحياة وتعيد تشكيل أرواحنا بما مررنا به من مواقف وذكريات ووجوه.
فكلما تعمّقنا في الواقع كلما أدركنا أن النضج ليس دربًا سهلاً، وأن الألم رفيقٌ أصيل في رحلة الوعي. تبدأ الآلام حينما تمنح قلبك ثقتك الكاملة، فتجعله القائد الأول لمعاركك الصغيرة والكبيرة. تؤمن بأن مشاعرك هي دليل الطريق ثم تكتشف أن الحياة لا تُدار بالعاطفة وحدها بل بحكمةٍ لا يمتلكها إلا من ذاق مرارة التجارب.
ويبدأ النضج الحقيقي لحظة تتجرد من اندفاع القلب وتعيد ترتيب أولوياتك… لحظة تُدرك أن الحياة ليست بتلك البراءة التي تخيّلتها يومًا وأن الطفولة ليست عمرًا بل حالة روح تختفي تدريجيًا حين تصطدم بواقعٍ لا يرحم.
نحن ننضج بالفقد…
بأمنياتٍ خبّأتها الأيام في خانة لم تتحقق.
ننضج بالخذلان… وبالصدمة الأولى التي تكشف لنا حقيقة الناس من حولنا.
فكلما مرّت بنا التجارب كلما اكتشفنا أن البشر ليسوا جميعًا كما يبدون وأن الصفاء عملة نادرة، لا يحملها إلا القليل.
ورغم قسوة الطريق يبقى النضج هدية خفيّة…
يهذب أرواحنا يعلّمنا كيف نختار، كيف نمنح وكيف نبتعد دون ضجيج.
يكشف لنا أن أجمل ما في الإنسان ليس سنواته… بل أثر التجارب على روحه، وعمق فهمه للحياة.
هكذا نكبر…
لا بالزمن بل بما تحمله قلوبنا من قصص وما تتركه الأيام فينا من بصمات لا تُرى… لكنها تشكّل كل شيء.

