
بقلم / أميرة عمر
في 26 أكتوبر 1954، تعرض جمال عبد الناصر الذي كان آنذاك رئيس وزراء مصر وزعيماً لحركة الضباط الأحرار لمحاولة اغتيال أثناء إلقائه خطاباً جماهيرياً في ميدان المنشية بالإسكندرية. حاول مسلّح يدعى محمود عبد اللطيف إطلاق النار على المنصة فدوت ثماني رصاصات، لكنها أخطأت الهدف ولم تصب عبد الناصر. الحادثة، التي عُرفت بـ«حادثة المنشية»، هزّت الشارع المصري والصحافة العربية، وأصبحت محطة فاصلة في تاريخ البلاد.
أثناء الفوضى التي أعقبت إطلاق النار، حافظ عبد الناصر على رباطة جأشه ووجّه كلمة شعورية أثارت تعاطف الجماهير: «ليحيا الشعب، وليمت الزعيم إن لزم»، أو بالمعنى الذي رددته المصادر في ذلك الوقت من عباراتٍ تعبر عن تضحيته من أجل الوطن كلماتٌ عزّزت صورته الشعبية على الفور. المشهد الإعلامي والإقليمي تفاعل بقوة مع الحادث، فانتشرت تقارير متلاحقة عن تبعاته السياسية والأمنية.
ردّ النظام سريعاً وحازماً: اتهمت السلطات آنذاك عناصر من جماعة الإخوان المسلمين بالتورّط في التخطيط للمحاولة، وشرعت في حملة اعتقالات واسعة شملت الآلاف من أعضاء ومؤيدي الجماعة، وحُكم على عددٍ من المتهمين بالإعدام أو السجن. استُخدمت الحادثة سياسياً لتصفية حسابات داخل صفوف قيادات الثورة وتوطيد سلطة عبد الناصر، بما في ذلك عزله للرئيس محمد نجيب ووضعه قيد الإقامة الجبرية.
خلفية الحادثة وملابساتها ظلت محط نقاش بين المؤرخين والمحللين: ثمة من يرى أن المحاولة كانت فعلًا عملية مخطط لها من تنظيم إسلامي معارض، وثمة من يطرح احتماليات تدخلات أو مبالغات سياسية استُغلت لتعزيز قبض السلطة. ومع ذلك، تبقى الحقيقة العملية أن الحادث منحه دفعاً شعبياً وسياسياً قوياً عزّز موقعه وأسهم في تغييرات هيكلية في المشهد السياسي المصري خلال الخمسينات.
اليوم تنظر المؤرخات إلى «حادثة المنشية» كحدث محوري ليس فقط لمحاولة اغتيال فاشلة، بل كشرارة أدت إلى صدام طويل بين النظام الجديد وكل القوى السياسية المعارضة، وأدت لتغيّر خارطة القوى الداخلية في مصر لعقود لاحقة. الحدث يظل مثالاً على كيفية تحوّل أزمة أمنية إلى أداة سياسية ذات أثر طويل المدى.

