فن

زمن الفنّ الجميل ذلك الذي رحل وبقي فينا


هنا نابل : بقلم المعز غني


يقال إنّ الإنسان حين يتعب من صخب الحياة يعود إلى الموسيقى الأولى التي تربّى عليها قلبه يعود إلى الأغنية التي رافقته وهو صغير ، وإلى الأصوات التي شكّلت أول دهشة في روحه.
لهذا نلجأ إلى الأغاني القديمة ، لا هرباً من حاضرٍ مزدحم فقط ، بل لأنّ فيها روحاً دفينة لم تعد موجودة في زماننا ؛ نبرة صدق ، ونغمة دفء ، وحضور فني لا يمكن تقليده .

تخيّل فقط تخيّل أن يعود بك الزمن إلى تلك الأيام القمرية
إلى سبعينيات السحر ، وثمانينيات الرقي ، وتسعينيات البساطة


حين كان صباحك يبدأ مع صوت السيدة فيروز يهبط على روحك كالندى ، فيغسل التعب ويشعل فيك حنيناً لا يُفسَّر.
وحين كان طربك يزدهر مع ترانيم الستّ أم كلثوم تلك التي كانت تعلّمك أن الحب صلاةٌ طويلة .


وتختم يومك مع العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ مطرب العاطفةوالشباب في ذلك الزمن الجميل ، فيغدو الليل أرقَّ وألطف ، كأنك تجلس في حضرة زمنٍ يعرف كيف يُحبّ وكيف يُغنّي .

كانت الحياة أبسط ، والقلوب أعمق  والمشاعر تُقال بلا خوف ، والوجوه صادقة لا تحتاج إلى فلاتر أو تزييف .
كان الهواء الحقيقي يُتنشَّق بلا غبار  والضحكات تأتي من القلب لا من شاشة ، والصداقات تُبنى على العِشرة لا على المصلحة .

في تلك الأيام
كنتَ تستطيع أن تحزن بلا أن تُخفي حزنك .
وأن تفرح بلا أن تبرّر فرحك .
وأن تكتب بلا أن تخشى أن لا يُفهم شعورك .

هو زمنٌ أبيض وأسود كما تصفه شاشاته ، لكنّه في قلوبنا أشدّ ألواناً من حاضرٍ ممتلئ بضجيج لا يُشبهنا .
زمنٌ كنّا نروي فيه حكاياتنا على مهل ، ونستمع لبعضنا بلا إستعجال ، ونعرف أن للحياة نكهة لا تتكرّر .

وبيتك الصغير الدافئ كان عالماً كاملاً …
عائلتك من حولك ، جمعة أهل ، فطور دافئ ، ضحكات تُشبه الموسيقى ، وراحة بال لا تشوبها أخبار ولا سُرعة ولا قلق مرهق.

ليتنا نستطيع إيقاف عقارب الساعة هناك …
ليتنا بقينا صغاراً لم نكبر ، لم نُرهق ، ولم نغادر ذلك العالم الذي صار اليوم مجرّد ذكرى نُطمئن بها قلوبنا كلّما ضاقت بنا الحياة.

لكن هيهات وللأسف الشديد
ما زال في داخل كلّ واحد منا غرفة صغيرة يحتفظ فيها بصوت فيروز ، ودمعة على العندليب ، ولحظة سحر مع الست أم كلثوم.
وما دام الحنين حياً فينا
فلن يموت الفن الجميل أبداً.

osama elhaowary

About Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *